تميزنا كبشر بالعقل والعاطفة؛اللذان يفترض أننا نستخدمهما فى علاقاتنا مع بعضنا حتى تستوى الحياة وتستقر العلاقات, فمن الشائع الشعور بالذنب عند إرتكاب خطأ أو جريرة وعمل وقفة مع النفس يعقبها إعتذار وإصلاح أو محاولة إصلاح الخطأ أو حتى الندم فقط؛ هذا فى حالة الإنسان السوى.
ولكن فى بعض الأحوال ما تمر هذه الآثام من صاحبها مرور الهواء؛ لا يعقبها شئ ولو قليل من الندم أو شعور بالذنب أو حتى الانتباه إلى أنه أخطأ؛ وهؤلاء هم غير الأسوياء أو سمهم الغرباء.
وهناك نوع أغرب يصدر عنه سلوك غريب بدوره وهو أنه لا يكتفى بخطأه دون اعتذار أو تأنيب ضمير؛ بل أنه بكل سذاجة وفتور يعقبه بخطأ ثانٍ ثم ثالث ثم رابع وهكذا دون توقف وكأنه يقول” خلوا بالكم كلكم، أنا باغلط كتير، طول الوقت ومتستنوش منى حاجة كويسة إبدٱ “.
ويصبح لسان حال كل من حوله” يا كابتن؛ أنا لسه زعلان من الغلطة اللى فاتت، وانت تبعتها بواحدة تانية وتالتة ومكمل، أنا مش لاحق أزعل من إيه ولا من إيه وانت مبتصالحنيش، يا كابتن لو سمحت…..يا كابتن ..”
هو بفتوره وغبائه الاجتماعى الحاد جدٱ لا يلقى بالٱ لأى إنسان فى الوجود أغضبه سلوكه أو كلامه أو لفتاته ونظراته أو بأخطائه الكبيرة.
فاليوم هو يجرم بالنهار وسيجرم بالليل وسيجرم غدٱ وبعد غد وكل يوم حتى آخر أيام حياته.
وأحيانٱ لادراكه أنه كقطار الهفوات والذلات الذى لا يتوقف عن الانطلاق ولا عن إطلاق أدخنة سوداء تعمى كل من حوله، فهو يعلم أنه لن يتمكن من قضاء حياته كلها إعتذارات على أخطاء، فقد تصالح مع نفسه على حالها الأعوج بالأخطاء المتتالية فى حقوق من حوله دون التفات, وأصبح راض عن نفسه كل الرضا وليس مضار فى شئ.
يضحى بعلاقاته كلها بمنتهى السهولة، فلا مشكلة فى أن تنقطع علاقاته مع زملاء العمل أو حتى أصدقاء قدامى، أمام احتفاظه بسمته المميزة والتى تعوّد عليها ولا يستطيع الكف عنها.
وكأنه يقول للجميع” إما تتحملونى كما أنا وإما فلتقطعوا كل علاقاتكم بى، أنا مش عايز وجع دماغ “.ولن أبالى بشئ.
ولكن هناك علاقات صعب أن تنقطع بل يستمر أصحابها بالقرب منه مهما أخطأ إلى أن يصلوا إلى الإنفجار.
أحيانٱ ما يفيق هؤلاء الهمجيون عندما ينفجر من أمامهم من طول الحلم وفرط الصبر ولكنهم لا يفتأون يعودون فى أسرع وقت وبنفس النشاط بل وأشد.
والسخيف فى الأمر أن أمثال هؤلاء لا يتحملون نفس التخطى من الغير، وكأنهم يكتفون بالخطأ من جانبهم أما الآخرون فلا، ولسان حالهم يقول” مس هنقضيها غلط كلنا بقى، مش هينفع كدا”.
هل من حل لهؤلاء ؟
لا أرجو حلٱ من جانبهم.
بل آمل أن يعلّمهم المحيطون أنهم إن لم يرتدعوا فهناك إحتمال قائم طوال الوقت للإبتعاد عنهم؛ إبتعادٱ يبدأ من غياب لساعات أو أيام وينتهى بغضبة طويلة تستمر العمر كله.
إلى أن يجدوا أنفسهم وحيدون، فيفيقوا إلى ما سببوه لأنفسهم من وحدة وعزلة ونبذ من الجميع.
أما إن لم يستفيقوا فليعيشوا فرادى ويستريحوا ويريحوا الاخرين من صدامات الجميع فى غنى عنها.