علم نفسمقالات نورا عبد الفتاح

بل يفسد كل قضايا الود



تشعر فى بعض المواقف وكأنك توشك أن تتوسل إلى من تناقشه أن لا ( يقلب عليك) فيتهمك بالغباء والتأخر الذهنى وانعدام الوعى والتدليس والخيانة والمخادعة والجهل والحماقة إلى ما شاء الله من صفات البلادة والبلاهة ( وده أقل واجب ) لمجرد أنك لم تتفق مع وجهات نظره كلها فى كل المواقف وكل الأحداث والأخبار حول العالم، فهو لا يريد منك إتباعه فى موقف بعينه وإنما إتباعه فى كل كلمة وحادثة ورأى، بالكامل فتركن وتذعن فى استسلام تام وامتثال كامل وإلا ف ( فيقلب الترابيزة )، ويغير معاملته معك ويشجع الغير على قطع علاقاتهم معك فلقد تخطيت حدودك واختلفت معه فى فكرة واحدة من أفكاره اللولبية التى ليس منها إثنين فى الوجود وتستحق الطرد من جنته ونعتك بالغفلة وفساد العقل وكل الصفات التى تصب فى وعاء الغباء وسوء الفهم.

فيكون أمامك حل أوحد أن تركع على ركبتيك وتتوسل إليه وتطلب منه أن يدعك تختلف فتقول ( أبوس إيدك سيبنى أقول رأيي ومتضربنيش)وتطلب منه فى إستجداء وتضرع أن يسامحك على تجاوزك بل وفجورك ، وأن يرحم ضعفك من العاصفة التى توشك أن تطيح بك بمجرد إبداء الاختلاف.


قالوا لنا ” الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية ” وقالوا لنا أنها حقيقة ولكن الحقيقة هى العكس، أن الاختلاف فى الرأى يفسد قضية الود وقضية العشرة وقضية الاحترام وقضية التعايش وقضايا المنطق وعلم النفس كلها، يجب أن نصحح هذه المقولة لنجعلها” الخلاف فى الرأى يفسد كل القضايا المتعلقة بالود وغيره”.

وساء الحال فأصبح الاختلاف لا يفسد فقط الود مع من اختلفوا أنفسهم بل مع كل من وقف فى معسكر العدو، فمن اختلفت معه أصبحت تلقائيٱ مختلفٱ مع أمه وأبيه وإخوته وجيرانه وأقاربه وأصدقائه، ومن إتفق معى فأنا أتفق مع أمه وأبيه وكل من تبعه إلى يوم الدين حتى لو لم أعرفهم( هما حبايبى بردو).

ترى لو انحنيت وجثيت على ركبتيك وطلبت منه فى خضوع وامتثال أن يتوانى عن هذا الخلل النفسى والاضطراب السلوكى الذى يعانيه ونعانيه نحن بدورنا، هل سيقبل توسلك ؟

أبدٱ يا صديقى، وسيظل على فكره حتى يجعل منك تابعٱ له وإلا فاتهامك بقلة العقل والخبل أبسط عقاب لك على سوء أدبك وتعديك على عقليته الفولاذية التى لا تخطئ قط.

ويصبح أمامك خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تدخل فى القطعان المختلفة، فلكل انسان تقابله قطيعه الخاص الذى يتبعه، فتخرج من قطيع فلان فتدخل فى قطيع فلان، وإما تصبح منبوذٱ من كل القطعان ومن كل من حولك.

الغريب فى الأمر أننى ( أحب ) الاختلاف، أقسم لك بالله أننى أحب الاختلاف وأشعر فيه بالخصوبة والحركة أكثر من الجلسة التى يكون الجميع فيها متفق على أفكار وإتجاهات بعينها.

فيصبح الاختلاف ضيفٱ خفيفٱ علينا فنسمع عبارات مثل :
” ولكنى أختلف معك، أنا مش معاك فى كذا، ولكن وجهة نظرى كذا “.

فيكون الحوار أغنى وأثرى من تكرار نفس الاتجاهات والافكار دون ابداع.

فأتعجب من هؤلاء كل العجب !

لنربى أنفسنا من جديد على الاختلاف الذى لا يفسد قضية الود، لا الاختلاف الذى يفسد كل القضايا، إن كنا كبرنا وقد تربينا على أن إعلان الاختلاف هو بمثابة إعلان حرب وقطع لكل العلاقات من كل الأنواع.

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع