الكلام ده مش لينا
تملأ الأسواق كتبٱ مترجمة تحض التراخِ والتخاذل وعدم الاكتراث والاستهتار والإهمال وكل ما من شأنه التفريط والتقصير والرجوع للخلف لا التقدم للأمام.
وبكل الأسى أجد إقبالٱ كبيرٱ على هذه الكتب وكأن العالم تحول إلى حفنة من المجتهدين والولوعين بالعمل والانجاز لدرجة أرهقت عقولهم وغدوا جميعٱ فى حاجة إلى بعض الغفلة والفتور وإلا هلكوا من فرط العمل والاجتهاد.
هذه الكتب أغلبها إن لم يكن جميعها مترجم عن لغات أخرى مما يعنى أنها لأناس آخرين من ثقافات أخرى وبلاد أخرى وعقول أخرى مختلفة عنا فى القليل والكثير وخاصة فيما يتعلق بحب العمل والانكباب عليه، ففى هذه النقطة نحن مختلفون عنهم إختلاف الأبيض عن الأسود.
فى بلادنا العربية نحن فى حاجة إلى ما ينبهنا إلى ضرورة التصميم والحزم والتخطيط والتجهيز وكل ما من شأنه الحث على الإتقان والإيجاد لا العكس.
أتعجب من أولئك الذين لا يجيدون القدرة على إنتقاء ما يقرأون أو اختيار ما يمكن تمريره (إلى) العقل وما يجب تمريره (من) العقل.
فتجد من يقول ” أنا مباقراش خالص ومش عارف أبدأ بايه! ، أو ” قوللى أقرا ايه ؟ “.
لا أحد فى الكون يمكن أن يخبرك ما ميولك واهتماماتك وما يلفت انتباهك أكثر منك.
إعرف بنفسك ماذا تحب وماذا تكره، ما يحلو لك وما تمقته واختر ما يناسبك.
فالعالم ملئ بالكتب فى شتى المجالات البشرية التى تخطر على بالك والتى لم ولن تخطر، إبدأ بقراءة أى شئ مفيد لا يدفع إلى اللامبلاة وعدم المسئولية والتقاعس والغفلة، إقرأ فى الدين أو علم النفس أو التاريخ، إقرأ أى شئ غير هذه النوعية الضالة من الكتب.
ألا يبدو للعقل وللوهلة الأولى أن كل ما يحض على الإغفال يعنى الهزيمة وأن كل ما يحض على التراخِ يعنى التقاعس وأن كل ما يحض على التكاسل يعنى التواكل ؟
أين نحن إذٱ من الإجادة والمثابرة والتمكن والإنجاز ان كنا نلهث بإرادتنا خلف كتب التثاقل والاستخفاف ؟
ليس هناك من يحتاج إلى هذه النصائح إلا رجل أعمال ناجح جدا جدا أو جراح شهير جدا أو عالم عظيم جدٱ، أنهكهم البحث والدراسة والتخطيط والتعلم والتفان والاجتهاد بحرص لسنوات طوال.
ولكن حتى مثل هؤلاء لا يركنون لمثل هذه النصائح الصماء بل يعلمون تمام العلم أن طريق المعالى هو طريق الجد والاتقان لا الغفلة والفتور.
كم غريب أن يصدر مثل هذا السلوك من كاتب؛ مفترض أنه يربو إلى إصلاح وترميم ما حوله بقدر ما أمكنه، وأن يعمل فى طريق ما يسمى بالنهضة الانسانية وتحسين نوعية الحياة ونشر الصواب.
كم غريب أن يبذل هذا العدد الكبير من الكُتّاب وقت وجهد ومال فى سبيل إقناع القارئ؛ كيف يصبح كسولٱ ؟
أو كيف يصبح عديم الفائدة ضعيف الإنجاز ؟
أو كيف يكون بلا طموح ؟
وعجبى !