مقالات

طيارة ورق مقال ل د. محمد طه

من فترة وفى عز أزمة كورونا، كنت ماشى على الطريق الدائرى قبل الغروب بشوية.. لفت نظرى مجموعة كبيرة من الطيور اللى ظهرت فجأة فى السما.
توقعت إنهم غالبا فى موسم هجرة أو ترحال بسبب تغير الجو.

حبيت التقط صورة ليهم.. طلعت الموبايل.. فتحت الكاميرا.. عملت زووم.. وفوجئت إنهم مش طيور.. دى مجموعة هائلة من الطيارات الورق اللى ناس عمالين يطيروها من فوق سطوح بيوتهم.. بيوت بسيطة متواضعة ظاهرة من بعيد على جانبى الطريق..
مش فاهم.. هو فيه مسابقة طيارات ورق؟ فيه مناسبة معينة أنا ماعرفهاش؟ مالقيتش إجابة.. استمتعت بالمشهد.. ومشيت..
بعدها، وفى شارع رئيسى بالقاهرة الكبرى.. لقيت مجموعة من الشباب على رصيف الطريق بيبيعوا طيارات ورق.. بيشاوروا للعربيات اللى ماشية، ويعرضوا عليهم أنواع وأشكال وألوان من الطيارات الجميلة جدا فى تصميمها وزخرفتها..
إيه يا جماعة هو فيه إيه؟ ده اختراع جديد طيب واللا إيه؟
بالبحث والسؤال.. لقيت إجابات وأخبار وتقارير فى بعض الصحف والمواقع عن «انتشار الطائرات الورقية فى سماء القاهرة ومعظم محافظات مصر».. وماقتنعتش بالأسباب الظاهرية زى كسر الملل.. وتقضية وقت الفراغ.

المصريين عدى عليهم كل أنواع المحن.. من قدم التاريخ وحتى نهاية العالم.. استعمارات وحروب وثورات وإرهاب.. وأخيرا وباء عالمى أجبر الجميع ــ ولفترة غير قصيرة ــ على البقاء فى المنزل.. أو الخروج الحذر للعمل أو الوظيفة ثم الرجوع السريع برضه للبقاء فى المنزل..
المصريين بيحبوا الحياة.. بيعيشوا على الأمل.. بيقدسوا النور..
المصريين نقشوا تاريخهم على حجارة، ونقوشهم عاشت أطول من التاريخ نفسه..
أسسوا حياة كاملة من زراعة وصناعة وفنون وعلوم وفلك حول شريط ضيق من المياه..
المصريين أول من آمن بوجود حياة بعد الموت، لأنهم بيحبوا الحياة، زى ما بيحترموا الموت.
الوعى الجمعى المصرى، الممتد عبر السنين، قرر ــ فى أوج أزمة كورونا ــ وبغير اتفاق أو تحضير أو ترتيب, إنه ما يتخلاش عن الأمل. ومايستسلمش لانطفاء الأنوار.
العقل الباطن المصرى، السارى عبر الأجيال، قرر يبدع.. ويبتكر.. بكل تلقائية وبساطة.. رمز عبقرى للأمل.
اليد المصرية الأصيلة، اللى لا تخلو من فن وسحر وإبداع، قررت تنسج من خيوط الطائرات الورقية خيوطا للحياة..
يا الله.

فيه مخرج أجنبى عبقرى اسمه (جون وو) John Woo.. أخرج أفلام أكشن شهيرة زى Mission impossible 2 و Paycheck و .Face off
(جون وو) مشهور فى إخراجه بحاجة غريبة جدا.. فى عز مشاهد الأكشن وفى أصعب لحظات القتال.. بيظهر فى الكادر حَمَام.. آه والله.. حمام.. Doves، وبيفسر النقاد والمحللون ده بإنه رمز للأمل بعد الصعوبة.. والحل بعد تمام التعقيد.. والبداية الجديدة بعد انتهاء المعضلة.. وبيقول (وو) نفسه عن ده إنه رمز لنقاء أرواح أبطال الخير فى الفيلم.. ورمز لرسل السلام الإلهية وقت المعارك..
قادر تشوف الشبه بين الطيارات الورق.. وطيور السلام والأمل
إلى أخرق الحبشة: مصر لا تخاف.. مصر لا تنكسر.

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع