تحليل شخصيات درامية

The green mile( الميل الأخضر)



لا أحد يختلف على أن الفيلم الأمريكى ( الميل الأخضر) من أكثر الأفلام التى تلمس الشعور وتؤثر فى النفس وتبعث إحساسٱ جميلٱ قل أن نشعر به، ويصل داخل الإنسان إلى نقاط لا تصل إليها معظم الأفلام والأعمال الدرامية التى يشاهدها، مما يضعه دائمٱ فى مكانة متميزة.




الفيلم بطولة توم هانكس والذى يقوم بدور ( بول) ومايكل كلارك دنكان الذى يقوم بدور ( جون كوفى).

الفيلم مأخوذ عن قصة بنفس الاسم لستيفن كينج.

تدور أحداث الفيلم داخل أشهر سجن لتنفيذ حكم الاعدام، يحكى فيه قائد حرس السجن وهو الضابط ( بول ) قصته لإحدى نزيلات دار المسنين التى يقيم بها بعد أن تبلورت فى ذهنه أحداث حياته كلها وأصبحت نظرته شاملة متكاملة متميزة لماضيه وللحياة.



فى العادة يظهر الضباط فى صورة قاسية القلب صعبة الطباع نتيجة للضغط النفسى الذى يعيشونه فى عملهم ومن فرط التعامل مع المجرمين والخارجين عن القواعد وعن القانون ولكن فى هذا الفيلم يظهر ( بول) وزملائه فى صورة مختلفة تمامٱ، ولأنهم أصدقاء قريبين جدٱ من بعضهم تجدهم قريبين فى الطباع من بعصهم أيضٱ.

إنهم يعلمون جيدٱ أن جميع السجناء أتوا لتنفيذ حكم الإعدام، فهم يعانون ضغطٱ كافيٱ ولا يتحملون ضغطٱ من أى نوع ولذلك فهم يتعاملون جميعٱ بكل الهدوء والاحترام مع كل المسجونين، على أساس أنهم أخطأوا ويأخذون عقابهم وانتهى الأمر، فلا داعِ للإهانة أو الشماتة أو الاستفزاز.

فالضغط على أناس بينهم وبين تنفيذ حكم الإعدام أيام أو ساعات، لا يمكن توقع ماذا يمكن أن يصدر عنهم، وأن إيذائهم يعرض المكان كله لمشاكل لا حاجة لهم بها.

أما زميلهم ( بيرسى) والذى يعمل حارسٱ بالسجن كان له نظرة أخرى، فهو شخص سخيف شرير سيكوباتى، لا يكف عن مضايقة أى من السجناء كلما واتته الفرصة أو حتى لم تواته.

فها هو يقول للسجين ( جون كوفى) أثناء دخوله السجن” أنظروا، رجلٱ ميتٱ، رجلٱ ميتٱ يمشى على الأرض” ويكرر الجملة السخيفة طوال الطريق منذ نزلوا من السيارة التى جاءت بهم وحتى وصل (جون )إلى زنزانته.



كذلك السجين( ديل) والذى أقام علاقة صداقة مع أحد الفئران فى السجن وكان يطعمه ويدربه على بعض الحركات الظريفة، ويوصى الضباط وخاصة قائدهم ( بول) على أن يراعوا الفأر ويعِده الضباط أنهم سيأخذونه إلى (مدينة الفئران) وهى مؤسسة ترعى الفئران وتربيهم وتعلمهم حركات أكروباتية، وإذا ب ( بيرسى ) الشرير يأتى بكل جبروت ويدهس الفأر بحذائه ويسمعهم صوت تكسر عظامه حتى يقهر ( ديل) صديق الفأر وينهار ديل ويسعد بيرسى يهذا الإيذاء كثيرٱ.

ولكن بمساعدة (جون كوفى) وقدراته الطاقية الضخمة يستطيع الفأر العودة للحياة ولصديقه ديل الذى يؤكد من جديد للضباط على ضرورة رعاية الفأر بعد تنفيذ حكم إعدامه إلا أن( بيرسى) الشرير لا يدعه يموت فى هدوء وإنما يستمتع بتوجيه صدمة جديدة له وهو على كرسى الإعدام، يفصله عن الموت دقيقة أو دقيقتين؛ ليقول له أنه ليس هناك ما يسمى (مدينة الفئران )وأن الضباط كانوا يخدعونه حتى ينتهى أمره ثم سيتركون الفأر يموت أو يذهب للجحيم، حتى يموت الرجل وهو قلقٱ على مصير فأره.

من أشكال الشر الكبيرة التى مارسها (بيرسى )ضد (ديل )أيضٱ والتى تنم عن شيطانٱ داخليٱ مريدٱ؛ أنه كان يطلب طوال الوقت إعطائه الفرصة لتنفيذ حكم الإعدام فى أحد المساجين وكأنه يستمتع بالقتل المباح، فهو هكذا سيقتل إنسانٱ ولا يعاقب فهو يقوم بعمله، وكان يتوسل لقائد الحرس ( بول) أن يدعه ينفذ حكم الاعدام بأسرع وقت ولكن ( بول) كان يرفض لقلة خبرته ولسوء تعامله مع أناس بينهم وبين الموت ساعات، فكيف سيعامل من بينه وبين الموت ثوانِ ؟

ولكن ( بول) كان يريد التخلص من (بيرسى )ومن شره وإزعاجه، فاتفق هو وزملائه مع( بيرسى) على أن ينفذ حكم إعدامٱ واحدٱ ثم ينتقل إلى العمل فى مكان آخر مستغلٱ معارفه الذين كان يهددهم بهم طوال الوقت، وكان الاتفاق.

إلا أنه وأثناء تنفيذ الحكم قاده شره إلى عدم وضع الاسفنجة التى توضع على رأس السجين فى المياه والتى تسرع من نشاط التيار الكهربى فتجعل موته سريعٱ بدلٱ من أن يعانى لفترة طويلة، وبيرسى لفرط ما بداخله من شر ورغبة منه فى إيذاء ديل، ترك الاسفنجة جافة حتى تطول فترة تعرض ديل للكهرباء فيتأذى وقتٱ أطول ويتلذذ هو بهذا الإيذاء.

أما جون كوفى الضخم الحجم طيب القلب ذو القدرات الطاقية المتميزة وهو أحد السجناء الذى اتُهم ظلمٱ باغتصاب وقتل طفلتين صغيرتين، بينما هو لم يفعل شيئٱ؛ بل فعلها( بيل وارتون) وهو سجين آخر، وألصقها به، ولكنه لقى عقابه.

(جون كوفى) لديه قدرات تشعره بخير من أمامه أوبشرهِ، يساعد كل من يحتاج لمساعدة حتى ولو لم يطلب منه أحدٱ وهو راضِ وسعيد بهذه المساعدة فهو يأخذ الأذى ممن يعانى ويحتفظ به داخله إلى أن يخرجه فى صورة رماد من فمه.

من منا اليوم يساعد أحدٱ، لا سيما حينما تسبب هذه المساعدة الضرر للمساعِد ؟؟

يساعد بول فى التخلص من حصوة فى المثانة البولية والتى أتعبته كثيرٱ وحاول فى علاجها محاولات عديدة باءت جميعها بالفشل.

إلا أن جون كوفى أحس بمعاناته دون أن يخبره بول بشئ وعالجه وأخذ الأذى من بول بكل الرضا.

كذلك فأر السجين( ديل )والذى دهسه بيرسى الشرير؛ أخذه جون الطيب لينقذه قبل أن يموت ويحزن عليه (ديل )وينجح فى انقاذه.

كذلك قام بمساعدة السيدة (ميليندا) زوجة أحد ضباط السجن، وتخلصت السيدة من ورم خبيث بالمخ.

وهو لا يرفض المساعدة برغم ما يعانيه بعد كل محاولة، فهو كلما حاول أن يستأصل المرض أو الأذى من جسد أى مخلوق إنما يدخره داخله بكل الأذى والضرر حتى ولما يخرجه فى صورة رماد من فمه، فإنه يظل متعبٱ لفترة بعدها ويحتاج إلى نوم طويل حتى يستعيد بعض قدراته بعدها.

ومع ذلك لا يتراجع عن مساعدة كل من يحتاج لمساعدة، إلا أنه من فرط مساعداته ومن قدرته المميزة على علاج الناس ومساعدتهم كره العالم وكره الشر وكره الأذى وأصبح يتمنى الموت.

فغندما علم بول أنه برئ من تهمة اغتصاب وقتل الفتاتين الصغيرتين طلب منه أن يفتح القضية من جديد خوفٱ من عقاب الله له، لعله يخرج من السجن ويتحرر، ولكنه رفض وقال له أن موته راحة له من هذا العالم الذى أتعبه وجعله وحيدٱ فى الطريق كعصفور فى المطر، تعب من عدم وجود رفيق يخبره الطريق، ومن محاولاته التى تكون دائمٱ من طرف واحد لنصر الخير ودحض الشر، تعب من الآلام التى يسمع عنها كل يوم، ويشعر وكأنها قطع زجاج فى عقله.

يحدث أن تجد الانسان الحساس يشعر بغيره ويتألم ألمهم ويحزن حزنهم ويحمل همومهم ويشعر بما يشعرون حتى يتعب من كل ما يعانيه ويحمله ويكره العالم والحياة التى لا تتوقف عن الألم بأنواعه والهموم والمعاناة اللامتناهية ويصبح راغبٱ فى الموت ، يرى فيه الخلاص الوحيد والراحة.

وها هو( جون )يرغب فى الموت ويرى أنه هدية بول له لأنه لا يستطيع تحمل المزيد من بشاعة العالم.

أمثال( جون) لا يحبون الحياة فهو ينتظر الموت وهو راضِ وراغب، يرضون بالقليل فعندما عرضوا عليه تنفيذ أى شئ يتمناه؛ طلب بعض الطعام ومشاهدة عرضٱ راقصٱ، يسعدون بالفطرة والطبيعة فعندما أخذوه لمساعدة (ميليندا )زوجة صديق( بول) أخذ يشم التراب وأوراق الأشجار الجافة الساقطة على الأرض وكأنه يشم عطرٱ أو يمسك كنزٱ، يساعد الآخرين حتى وإن تأذى، يشعر بمن يحبه وبمن يكرهه؛ فعندما دخل غرفة الاعدام، صدم من كم الناس الذين يكرهونه داخل الغرفة من الجالسين لحضور جلسة إعدامه ومنهم أهل الفتاتين اللتين تم اتهامه بقتلهما بعد اغتصابهما، ولأن القضية سارت فى اتجاه اتهامه هو، فأهل الفتاتين يظنان أنه الجانى وبالطبع يكرهونه.

يقول علماء الطاقة أن الإنسان الذى يعمل على ضبط طاقته ويتخلص من طاقاته السلبية ويحافظ على الإيجابية؛ يشعر بخير الناس وشرهم، حبهم وكرههم، وهذا كلامٱ طاقيٱ علميٱ صحيحٱ.

أعطى (جون) إلى( بول) وإلى فأر (ديل ) من طاقته جزء جعله يعيش حتى بلغ فى نهاية الفيلم عامه الثامن بعد المائة وقد كان يعمل فى السجن فى هذه الأحداث وهو فى الرابعة والأربعين، كما أن فأر( ديل) أيضٱ كان لا يزال حيٱ حيث احتفظ به( بول) فى الغابة بجوار دار المسنين التى يقيم بها وهذا بالطبع ليس المتعارف عليه عن أعمار الفئران.

كان تنفيذ حكم الاعدام فى( جون) آخر حكم إعدام ينفذه( بول) وصديقه( بروتال) وأكملا عملهما بمصلحة الأحداث.

وكأن هذه الهدية التى أهداها (جون) إلى( بول)،حالت دون قدرة( بول) على الاستمرار فى عمل يعتمد على إعدام المزيد من المذنبين وإزهاق أرواحهم، وفى النهاية قد يكونون أبرياء مثل( جون).

وفى النهاية يذهب( بول) لدار المسنين ينتظر الموت الذى تأخر بسبب هدية جون له، والذى تركه وحيدٱ بعد أن ماتت زوجته وكل أصدقائه وكل من يعرف، وهو لا يزال حيٱ، يتذكر خير (جون) و(بروتال) وذكرياته مع زوجته وأصدقائه وشر( بيرسى) و(بيل وارتون) وأمثالهم ويفلسف الحياة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع