الفيلم العربى ” ديكور”
الفيلم بطولة الفنانة حورية فرغلى التى تقوم بدور ( مها)، المتزوجة من ( مصطفى) والذى يؤدى دوره ماجد الكدوانى.
يحدث أحيانٱ أن ينقم إنسان على حياته لسبب يتعلق بالقهر أو الظلم أو عدم الارتياح مع المحيطين به، فيهرب من الواقع إلى عالم إفتراضى لا يكون إلا فى خياله فقط، يشرد فيه كلما اشتدت الضغوط عليه فى واقعه الذى لا يرضيه، ولكن لا شئ فيه حقيقيٱ البتة.
يبدأ بأحلام اليقظة؛ التى قد تستغرق ثوانِ أو دقائق وقد تستمر إلى فترات أطول.
ولكن علماء النفس والطب النفسى يؤكدان أن أحلام اليقظة مهما طالت فترتها بين الانسان ونفسه لا ضرر منها، طالما أنها لا تؤثر على حياته وعلى علاقاته بمن حوله فى البيت والعمل والشارع.
ولكن ما أن تبدأ فى التأثير على حياته وعلاقاته حتى ولو بالشرود الطويل؛ فلابد إذٱ من وقفة سريعة وقوية.
ما أن يتركها ويستسلم لها، حتى تسيطر عليه وتسبب مرضٱ نفسيٱ حقيقيٱ يحتاج لعلاج طويل.
وهذا ما حدث مع بطلة العمل حين استشارت زميل لها فى العمل فنصحها ( ما تلعبى اللعبة للآخر ) و(كملى فى الخيال)؛ وقد كان.
فهى ناقمة على حياتها الواقعية كزوجة عادية مقيدة بقيود الحياة الزوجية؛ لديها إبنة فى الواقع بينما كانت ترفض الانجاب فى الخيال لاعتقادها أن إنجاب طفل فى هذا العالم الموحش جريمة فى حقه، تعمل مدرسة تربية فنية ليست ذات جدوى فى الواقع حتى أنها عندما تغيبت وزعت رئيستها فى العمل حصصها على زملائها وسارت الأمور فى غيابها كما كانت تسير فى وجودها دون فرق.
بينما فى الخيال تعمل مهندسة ديكور وضعها هام فى الفيلم الذى تعمل فيه.
ولأن هذا الواقع لا يرضيها وعقلها مصرّ على العيش كما تمنت؛ تصورت فى خيالها أنها تزوجت رجلٱ كانت بينهما خطوبة تم فكها، وأنهما يعملان مهندسا ديكور ولم ينجبا لاتفاقهما على فكرة أن الطفل الجديد لن يحتمل هذا السوء فى هذا العالم، وأنهما زوجان متفاهمان فوق الوصف.
هذا الخلل لدى مها بدأ معها منذ تزوجت مصطفى، وهو يعلم باضطرابها النفسى المبنى على عدم رضائها عن زواجها منه، وأنها كانت تتمنى الزواج من ( شريف) والذى يقوم بدوره الفنان خالد أبو النجا؛ خطيبها السابق والذى رفضته أمها وأجبرتها على الزواج من مصطفى وطوال الوقت الأم تلوم الزوجة على تمسكها بشريف فى خيالها والزوجة تلوم أمها لأنها أجبرتها على ترك شريف منذ سنوات رغم حبهما القوى.
مصطفى زوج الواقع؛ يتحمل زوجته ومرضها النفسى طوال سنوات ويحاول التعايش مع فكرة النفور منه إلى شريف فى الخيال، ويتحمل فوق طاقته بثبات وهدوء مبنى على حبه لمها وبقاءٱ على بيت الزوجية واستقرار حياة ابنته الصغيرة.
بيد أنه من وقت لآخر يمل ويطلب منها محاولة تقبل الواقع والالتزام بالعلاج النفسى، ولكن المرض كان قد تمكن من مها تمكنٱ كبيرٱ، ولم يعد التحرر منه سهلٱ، فالخيال عندما يسيطر على العقل، يصبح جزءٱ منه، كيف يمكن للعقل أن يتحرر من جزء منه ؟؟؟؟
إختلط أمامها الواقع بالخيال حتى اختل عقلها وأصبحت غير قادرة على الفصل بينهما، وأصبحت كلما دخلت واحد من هذين العالمين، تجد نفسها مشوشة وتائهة؛ لا تذكر ما الذى أتى بها حيث هى، أو هل هى زوجة شريف أم مصطفى ؟
وهل شريف لا يزال حبيبها أم تزوج من أخرى ربما ممثلة فى الفيلم الذى كانا يعملان فيه مهندسا ديكور؛ والتى كانت تغار منها على شريف.
بدأ فكرها يتشوش أكثر وأكثر وهذا ما يعكسه التصوير بدون ألوان فالتصوير ( أبيض وأسود)، فالألوان لا تناسب هذا الاضطراب والاختلال، الذى ألزمها فى النهاية بالمكوث فى دار للعلاج النفسى والتى علمت أنها ملاذها الوحيد من هذا الواقع الذى لا يرضيها والخيال الذى أصبح بدوره لا يرضيها بعد أن عرفت أن شريف متزوج فى الواقع من ممثلة ولديه طفل وأنها فى حاجة للعلاج بالفعل.
من الصعب إدراك الانسان أنه مريض نفسيٱ ولا يستطيع عمل شيئٱ لاصلاح ذلك أو قطع هذه المساحة من شريط حياته.
كان ذلك فى البداية شعورها وهى تشعر أنهم يجبرونها على اختيار الواقع الذى لا يرضيها؛ حيث شعرت فيه بأنها غير ذات قيمة، بعملها كمدرسة عادية وزوجة عادية ومتزوجة من رجل عادى وحياتها مملة ورتيبة، خالية من أى شغف.
ولكن عندما تعبت من هذا التداخل؛ بدأت العلاج بالمشفى بكل الرضا، وأحست بتحسن كبير جدٱ وسريع، تحسنت بسبب وجودها بالمستشفى بمفردها، بدون مصطفى وبدون شريف.
وجدت كلا الحالين الواقع والخيال لا يناسباها؛ وبدلٱ من أن يجبرها الجميع على اختيار الواقع، وبدلٱ أن وضع لها الجميع خيار واحد وهو الواقع وكانت هى ترى خيارين وهما الواقع والخيال وتميل للخيال، خلقت هى لنفسها اختيار ثالث وهو أن تترك الواقع والخيال وتبدأ من جديد وتعتبر القادم بداية جديدة بدون شريف( الخيال) وبدون مصطفى (الواقع).