مقالات نورا عبد الفتاح

مثيرون للشفقة

ولكن أكثر الناس لا يشكرون، ولكن أكثر الناس لا يعقلون، ولكن أكثر الناس لايفقهون…
هكذا حدثنا الله عن الناس.

علمنا الله ورسله أن خير السبل لكسب الناس وحبهم هو التغاضى عن أخطائهم والتغافل عن ذلاتهم وعدم ذكر أفضالك عليهم، وذكر أفضالخم علينا طوال الوقت،  مساعدتهم وعدم انتظار المساعدة منهم، والوقوف معهم وقت احتياجهم ومحاولة الاستغناء عن مساعدتهم فى ذات الوقت، التسامح مع الظالم قدر الإمكان، الإيثار وتقديم تضحيات على جساب أنفسنا…
هذا لنكسب الناس وهذه هى السبل التى يمكننا من خلالها الحصول على رضاهم !

هل ترى أن الناس بهذا الحال المزرى لا يثيرون الشفقة ؟؟؟
بلى والله، يثيرون كل الشفقة.

منذ فترة قصيرة انتشر مقطع فيديو لرجال يتشابكون بالأيدى والأرجل فى أحد فروع خدمة العملاء لأحد شركات الاتصالات الشهيرة، بل والأكثرها شهرة فى بلادنا.
وبدون فهم أى تفاصيل،؛ وضع الكثيرون والكثيرون حكماً على أحد الأطراف ومعظم هذه الأحكام ضد الشركة وموظفيها، وخرجت الكثير من النكات والبوستات تغرق شبكات التواصل الاجتماعى قبل أن يفهم أحدا من المخطئ ومن المصيب ما عواقب ذلك على الموظفين الذين ظهروا فى الفيديو أو العميل والقواعد والقوانين الجديدة التى ستسنها الشركة بعد الانتشار الواسع لهذا الفيديو المخزى.

أغلب هؤلاء ليسوا فقط متفرغين لتوافه الأمور والحكم على الناس دون فهم، وتتبع العورات، بل إنهم مثيرون للشفقة !

بعد ذلك بفترة انتشر مقطع فيديو آخر لأحد الممثلين وهو يشكو من جحود ابنته ومقاطعته، فتعاطف الجميع مع الممثل وانتشرت مقاطع الفيديو دون فهم أى تفاصيل وانتشرت وانتشرت، كان أحد هذه المقاطع تحكى فيه إحدى بناته وهى مذيعة شهيرة عن تفاصيل أزمة  والدها مع أختها، كل الكلام يصب فى مصلحة المذيعة وهى لم تذكر  والدها بأى سوء، إلا أن أغلب التعليقات كانت عبارة عن دعاء على المذيعة وسباب ووصف بأقذع الصفات، وعلى ما يبدو أن هؤلاء لم يشاهدوا الفيديو من الأساس وإنما اعتمدوا على النميمة والغيبة  والبهتان ونقل الكلام، فكتبوا تعليقاتهم بناءاً عليها.

نفس الشئ حدث مع ممثلة شهيرة ووالدها الذى ظهر فجأة ليظهرها بصورة الإبنة الجاحدة التى تزوجت دون علمه وأنكرت أفضاله عليها، وظهرت مقاطع الفيديو ومقاطع أخرى مضادة، ودون أن يتحرى أحد؛ وضع البعض نفسه حكماً وأخذ يعيب على الأب أو الإبنة وينشر حُكْمه على أوسع نطاق والكثيرون يتابعون ( ماعرفش بيتابعوا إيه ؟)

المتمركزون حول ذواتهم ولا يرون فى الدنيا كلها إلا أنفسهم، ولا يظنون أن الناس من حقها أن ترى غيرهم، ولا يرون هم من الدنيا إلا أمورهم الخاصة جدا والقريبة منهم جدا جدا؛ عملهم بيتهم أبنائهم وضعهم المادى والاجتماعى، مشكلاتهم وكل ما ينتهى بالهاء والميم وتابع لهم؛ وغير ذلك فهو خارج مجال رؤيتهم؛ إنهم مثيرون للشفقة أيضاً.

الأهل المتفرغون للإيقاع بين زوج وزوجته والمتقاطعون لأتفه الأسباب والمتحرشون فى الشوارع  والمتفرغون للإيقاع بين إبن وأبوه أو أمه  والهاربون من أنفسهم إلى النزه والسهر والسفر ولا يطيقون الجلوس مع أنفسهم ومواجهة أنفسهم بنواقصهم وسلبياتهم، هؤلاء الناس مثيرون للشفقة، مثيرون للشفقة بشكل كبير جداً، إنشغالهم بهذه الأمور يعنى أنهم لا ينشغلون بأنفسهم، ومن لا ينشغل بنفسه ويشتغل عليها فماذا يفعل بوقته ؟

المتأخرون فى المواساة والمتلكعون فى إبداء الدعم مثيرون كذلك للشفقة.

الكاذبون المحترفون أيضاً مثيرون للشفقة؛ فهم لا يواجهون شئ أو شخص دون إستخدام الكذب، فبدونه يفشلون ويخسرون فى كل الجولات، ويرون الصدق أداة ضعيفة وقلة حيلة وتجلب المتاعب.

الذين يفرقون بين أبنائهم فى العطايا المعنوية بل والمادية؛ مثيرون للشفقة بعجزهم عن توفير الحنان أو العطاء النفسى بشكل متساوى بين أبنائهم، فلديهم مقدار ضئيل قد يكفى أحد الأبناء أو بعضهم دون الباقين.

الحاسد والغيور مثيرون للشفقة، لأنهم ليسوا راضين عن أحوالهم ولا يحاولون تحسين هذه الأحوال التى لا يرضون عنها فقرروا محاولة حرمان الآخرين أيضاً منها.
مثيرون للشفقة بجدارة !

الكثيرون من الناس مثيرون للشفقة بشكل مذرٍ حتى وإن بدوا أقوياء فى الشر، فالأشرار ضعفاء !

يخافون من الرعد والبرق، يخافون من المرض يخافون من المواجهات، يخافون من عيوبهم، يخافون من رؤسائهم فى العمل، يخافون من رئيس اتحاد ملاك العقار الذى يسكنون فيه، يخافون من إصلاح الفساد، يخافون من الغد، يخافون من الماضى، يخافون من اللصوص، يخافون من العطاء، بخافون من الصادقين، يخافون من الأقوياء… أليسوا مثيرون لكل الشفقة ؟

يفعلون أفعالاً لا يفهمونها؛ ففى بعض الأحيان تسأل أحدهم عن هدف من فعل ما أو نية من شئ ما، فتجده لا يدرى، أقسم بالله أنه ما يدرى لماذا فعل كذا أو كذا أو لماذا لم يفعل كذا أو كذا !

المتعجرفون الذين لا يرون أحداً أفضل منهم قط، لا يرون أحداً أفهم منهم قط، لا يرون أحداً أقدر منهم قط، أليسوا مثيرين للشفقة ؟

أليس هؤلاء مختلى البصيرة بل ومعدوميها، يرون الأشياء على غير حقيقتها والأمور فى غير مكانها ويعيشون فى الوهم؛ منبوذين ونابذين، بعيدين جميعاً عن الاستقرار العاطفى والهدوء الحقيقى ؟

مثيرون للشفقة وسيظلون مثيرون لهذه الشفقة طالما رأوا كل شئ من زاويتهم الضيقة أو لم يروه، حتى وإن ظنوا وظننا أنهم علماء وخبراء وتملأهم الحكمة.

أصعب ما يواجهه هؤلاء هو أنهم لا يرون هذه الشفقة من أغلب الناس، لأن أغلب الناس لا يرونهم إلا من الزاوية الضيقة إياها، التى لا تظهر إلا جانبهم الشرير لا جانبهم الضعيف !!!

من أعلى درجات النضج أن تشعر بالشفقة على المخطئ، المجرم وترى ضعفه الداخلى وإن أبدى أقصى درجات القوة والجبروت !

 

هكذا هم أكثر الناس، نحسب لهم ألف حساب رغم أنهم فى الأساس مثيرون للشفقة !

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع