مقالات

مقال أفكار ذات أجنحة ل د. أحمد خالد توفيق

كنت جالسا أمام شاشة الكمبيـوتر في ذلـك المـساء الهادئ ، عندما لاحظت ظاهرة غريبة : الشاشة سوداء تماما .. ليست الشاشة بـل الغرفـة كلها .

وبما أنني متعلم وسريع البديهـة فقـد أدركـت بعـد دقيقتين أن التيار الكهربائي قد انقطع . انتظرت قليلا فلم يعد التيار الكهربي ، وقد تعلمت منذ زمن أن علي أن أتصل بالشبكة وأبلغهم . ذات مرة انقطع التيار الكهربي خمس ساعات ، وفي النهاية اتصلت بالشبكة فأخبروني في دهشة أنهـم لا يعرفون أي شيء عن ذلك وأن أحدا لم يبلغهم .. أي أنني لـو لم اتـصل لظللت في الظلام حتى تقوم الساعة .

سأتصل بالشبكة وأشكو بفظاظة .. هنا وجدت أن الظلام دامس وأنـني لا أرى أرقام الهاتف .

قررت أن أبحـث عـن الـكـشاف الصيني الذي يتم شحنه ، ويضيء في حالات انقطاع الكهرباء ويتلـف بعـد ربع ساعة من شرائه … وجدت الكشاف بشكل ما ، وبالطبع لم يخيب ظنوني .. كان تالفا …على أن أبتاع كشافا آخر ؛ لأن ابني في موسم الامتحانات .. ومعنى انقطاع التيار الكهربي الآن أن يضيع مستقبله .

هنا خطر لي أنني ابتعدت كثيرا جدا عن موضوع التيار الكهربي ورحت أفكر في عدة أشياء .. ثم خطر لي أن هذه بذرة مقال طريف قصير عن رجل تصمم أفكاره على أن تجري في سبيلها الخاص ولا تستقر أبدا .

سوف أحضر ورقة وأدون عليها هذه الخاطرة لأكتبها كمقال بمجرد أن يعود التيار أين الورق ؟ .. لا أذكر أين كان ولا أين كان القلم .. مشكلة حقيقية هي أن تجد شيئا في هذا الظلام .. لماذا انقطع التيار الكهربي ؟ ..

لابـد مـن إبـلاغ الشبكة هاتفيا . ثم تذكرت أنني لا أرى أرقام الهاتف .. مشكلة أخرى .. كيف أطلـب رقما هاتفيا وأنا لا أرى الأزرار ؟ .. هناك كشاف .. هـذا كـشاف صيني قـوي لكنه كمعظم الاختراعات الصينية يتلف بعد دقائق من شرائه . أه .. ابني في موسم الامتحانات ومعنى هذا أن على أن أشترى كشافا جديدا .

هل توجد کشافات صينية لا تتلف أو كشافات غير صينية .. مقال جميل لا بأس به .. الرجل الذي يعاني سيكون موضوع تداعي أفكار مرعبا .. كل فكرة تطير لتحل مكانهـا فـكـرة أخـرى . يجـب أن أدون هذا .. تبدأ الفكرة بانقطاع التيار الكهربي ثم تصير مشكلة الامتحانات لكن كيف أدون هذا المقال من دون ضوء ؟

هذه المرة أجد عود ثقاب فأشعله وأتحسس الهاتف لأطلب رقـم الشبكة . يتأخر الرد كثيرا جدا وفي النهاية يرد علي موظف متذمر لأنني أزعجت نومه .

هنا أكتشف أنني نسيت لماذا اتصلت : ـ ” معذرة .. هل هذا رقم الـ .. رقم ال … ؟ ” يقول لي في غيظ إن علي ألا أنتهز فرصة نوم والدي لألعب بالهاتف ، ثم يضع السماعة في عصبية . تذكرت ! .. هذه شبكة الكهرباء وكنت أريد أن أخبرهم .

لكني لن أجسر على الاتصال الآن .. هنا يعود التيار الكهربي فأشعر بأن الحياة قد عادت لكـل شـيء .. الكهرباء تعني كذلك الهـواء لأن المراوح وأجهـزة التكييـف تـعـود للحياة .

أريد القلم والورقة بسرعة .. يجب أن أدون فكرتي … أية فكـرة ؟ .. نسيت .. كانت هناك فكرة جيدة .. ربما عن الامتحانات ؟ .. بصراحة لا أنكر .. لقد تبخرت تماما . لا مشكلة .. سوف تعود في وقت لاحق المهم الآن أن أطلب الرقم الذي كنت أطلبه في الظلام يدق الهاتف عدة مرات إلى أن يرد الموظف المتذمر إياه .. أقول له في عصبية وقد نسيت من هو : مستوى الامتحانات الذي تضعونه أعلى بكثير من مستوى الطلبة حرام عليكم ! – وأضع السماعة قبل أن يرد..

من كتاب وساوس وهلاوس.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع