الكذب فن مش عن عن
الصدق أثمن هدية يمكن أن تهديها لإنسان والوضوح أكبر منحة يمكن أن تمنحها لشخص، فليس الجميع يستحق الصدق فى قولك ولا الوضوح فى سلوكياتك.
فالصدق والوضوح راحة واستقرار وهدوء داخلى تهبهم لمن أمامك، وليس الجميع يستحق أن تمنحه الراحة والهدوء إن كان هو من أصحاب( اللف والدوران) والكذب اللانهائى والغش والتدليس واستخدام الكلام والأفعال التى تحمل معنيين، فيسبب لك الحيرة والشكوك طوال الوقت.
يقول علماء النفس أن الكاذب معروف من سلوكيات معينة معلومة كقواعد وأن كشفه أمرٱ سهلٱ وسريعٱ، فيقولون أنه ينظر إلى اليسار أثناء حديثه وقد يرفع صوته أكثر مما يستدعى الموقف وقد يسهب فى التفاصيل بلا داعِ وقد يغطى جزء من وجهه أثناء الحديث وغيرها من العلامات التى تشير بأصابع الإتهام إلى أن هذا المتحدث كاذب بل وتؤكد.
ولكنى أرى هذه العلامات ليست قاعدة عامة يمكن تطبيقها بشكل كلى على جميع الكاذبون، فهناك كاذبون من الحنكة والتمكن بقدر يمكنهم من الكذب على أناس بعدد حصى الأرض ونجوم السماء دون أن يقوموا بأى فعل من هذه الأفعال التى تؤكد كذبهم.
فهم كاذبون متمرسون ومهرة، يكذبون بكل ثبات وثقة تامة ورباطة جأش كبيرة، بمنتهى التماسك وحضور الذهن ورسوخ الطبع وهدوء النفس.
لا توجعهم ضمائرهم ولا يهمهم الحقائق التى دهسوها ولا الأحاديث التى بدلوها ولا الضحايا التى دمروها ولا الوهم الذى زرعوه فيمن ينتظر حدث لن يحدث أو زيارة لن تتم أو مشروع لن يكتمل أو مكافأة لن تأتى.
لا يهمهم حزنٱ أدخلوه على سعيد أو همٱ حملوه على ظهر برئ.
الكذابون فى الغالب جبناء، لا يواجهون الحقائق الواقعية وإنما يواجهون الكذبات الوهمية والقصص المختلقة، فى الغالب نرجسيون يكذبون لضمان شكل جميل يتسق مع كذباتهم، عادة متوترون وعلاقاتهم لا تطول، فهى فى العادة تنتهى بمجرد إنكشاف إفكهم وزيفهم.
دائمٱ ما أرى الكذب بابٱ لكل الأخطاء، من فتحه فتح باب الخطأ فى عدة اتجاهات، من غدر وإفساد ومكر وغش وتضليل وتزوير وغواية وتلفيق وإيذاء، وغيرها، فجميعها يبدأ بالكذب ثم يأخذ أشكال عدة.
فمن فتح باب الكذب فتح لكل هؤلاء ومن أغلقه إنما أغلق باب الأخطاء الكبيرة كلها.
فالصادق يراعى فى سلوكياته أنها لن تخفى على أحد وأنه لو سئل عنها فسيقول حقيقتها، لذلك يحتاج أن تكون طيبة يمكن ذكرها فيجعل صورته وصورة أفعاله طيبة بصدق أقواله ووضوح أفعاله، أما الكاذب فلا تهمه أفعاله طالما ( كدا كدا ) سيجملها بالكذب ويظهر فى صورة طيبة ومثالية بتزييفه وإدعائه.
من أبرز سمات الكذاب ضعف الهيبة، وقلة الثقة بالنفس فعادة ما يكون مهزوزٱ لأنه يعلم جيدٱ أنه مزور وماكر وغادر ويخشى افتضاح غشه دون قصده، ويحاول طوال الوقت أن يتأكد من أن الذى أمامه لايزال منخدعٱ.
الكاذبون لا يحبون الصادقون لأنهم يذكرونهم بنقاط ضعفهم ، هم لا يقبلون أن يشعروا أن هناك من هم أفضل منهم، فهم يكذبون على الجميع حتى أنفسهم.
فالكذب يزينهم ويجملهم ويجعلهم وقورين ومحل تقدير الجميع، فلماذ يتوقفون وقد أصبحوا فيه أساتذة ومبدعون ؟
يرون الصادق غبيٱ ساذجٱ يضع نفسه فى المشاكل والمواجهات دون داعِ.
أما هم فهم ( اللى فاهمين الدنيا) ويعرفون ماذا يجب وما الذى لا يجب، يعرفون متى يصدقون ومتى يكذبون؟ متى يخلصون ومتى يخونون ؟، متى يتضحون ومتى يدلسون ؟
لا يتصورون أن هناك بشرٱ ليس أمامهم خيارات سوى الصدق، ولا سبيل لديهم سوى الاستقامة والنزاهة وغير ذلك لا يريدون،فهم يخافون الله ويخافون عقابه وأن يفقدوا رضاه، كما يخشون خسارتهم لاحترامهم لأنفسهم وشعورهم بالخزى.
كثيرٱ ما أرى أن حروف كلمة الصدق هادئة متسقة مع بعضها؛ فالصاد والدال والقاف يوحون بشئ هادئ وخفيف بل ولطيف على الأذن، بينما الكذب فحروفها مجتمعة فجة ومتنافرة وغير لطيفة أثناء السماع.
ليتنا نمنح الصدق لمن يستحق ولمن لا يستحق ولكن قل المانحون، لنمنح الصدق مهما كلفنا الأمر، لأن الصدق يجلب وقارٱ مميزٱ أما الكذب فوقاره مزيفٱ.