علم نفسمقالات نورا عبد الفتاح

مذكرات وليست يوميات



كنا نظن أن كتابة اليوميات شيئاً لطيفاً وظريفاً وفريداً وأن كل من يكتب يومياته بشكل منتظم ويستمتع بها؛ هو إنسان مختلف وماهر وحصيف وسيقضى شيخوخة سعيدة مع ذكرياته القديمة التى سيتذكر أحداثها بالتفصيل وكأنها تحدث الآن ؟ ؟ ؟

من قال أن كبار السن أو أى إنسان فى أى عمر، قد يحتاج إلى تذكر أحداث ومواقف بتفاصيلها الدقيقة من جديد ويتمنى تكرارها أو حتى يستمتع بتذكرها ؟ ؟ ؟

ماذا عن يوميات قد تكون ملأى بمواقف محرجة وذكريات مؤلمة وأحداث مؤسفة، فيتذكرها صاحبها ويوقظها من جديد وبالتفاصيل ويستدعى الألم والمشاعر التى قد يكون قد حمد الله وقتها أنها ولّت وانتهت ؟

حرىّ بنا أن نقول إكتبوا مذكراتكم السعيدة فقط وإياكم والحزينة.

يقول علماء النفس الحديث أنه يجب على كل إنسان العادى أو المضطرب نفسياً أن يكتب بشكل يومى لعدة دقائق حتى يفرغ غضبه وضيقه وقلقه وإنزعاجه من أشياء أو أشخاص، فيخرج هذه الأحداث من عقله الباطن إلى عقله الواعى إلى الورق إلى القمامة، فينتهى من هذا الخوف أو الحزن أو الضيق أو الغضب أو على الأقل يقلل شعوره بهم، فكيف نقلب نحن الأمر ونجعله فى صورة يوميات حزينة وكئيبة تملأها المواقف السخيفة والمخجلة والمحزنة، نذكّر بها أنفسنا من حين لآخر وكلما نسيناها، إستدعيناها وتذكرناها وحزنّا عليها من جديد وجعلناها مادة خام للألم المتجدد ؟

منذ حوالى عامين وجدت أكوام من الدفاتر والمفكرات المليئة بيومياتى التى كنت أعكف عليها بشغف واستمتاع وبمنتهى الإلتزام اليومى، وسألت نفسى إلى أين ستؤول كل هذه الأجندات والدفاتر بعد موتى ؟
ومن سينال شرف قراءة كل ما كان يدور فى رأسى منذ عمر الرابعة عشر منذ بدأت فى كتابتها وحتى وفاتى؟
وكيف ستسير الأمور لو وقعت فى أيدى أحد هؤلاء الذين أوسعتهم سباباً وقذفاً فدعوا على وأنا ميتة مثلاً ؟

فقررت تقطيعها كلها وإهدائها إلى جامع القمامة وارتحت إلى هذا الحل ولم أشعر بذرة ندم أو تردد قبل هذا الفعل.

يقول علماء النفس أن العقل الباطن يخزن ويحوى كل ما يمر به الإنسان قبل أن يولد وهو فى بطن أمه وحتى عمره الآنى وهو فى عمر العشرين أو الخمسين أو السبعين أو التسعين، وكلما ركز العقل على فكرة إستدعى له العقل الباطن كل ما له علاقة بهذه الفكرة منذ طفولته وما قبلها وحتى لحظته تلك، بكل تفانِ فى الإستدعاء الدقيق والتذكر السريع لهذه الأفكار المشابهة لفكرته.

فمثلاً عندما يفكر شخص فى الطلاق؛ يستدعى له عقله الباطن كل ما خزّنه منذ طفولته وما قبلها من أحداث وأخبار المحيطين والأفلام التى شاهدها حول هذه الفكرة والقصص التى حكاها له أصدقائه وجيرانه وأقاربه وأصدقاء أقاربه وأبنائه وكل ما ورد فى كتب وقعت بين يديه حول الطلاق أو الخلع أو الإنفصال أو الفراق ويظل يخرج له من مخزنه كل ساعة وكل يوم كل ما يتذكره وما نسيه عن فكرة الطلاق.

وعندما تفكر فى السفر للعمل بالخارج مثلاً فسيتستدعى لك عقلك الباطن كل القصص والحكايات والأساطير التى تحكى روايات الذين سافروا للعمل بالخارج فنجحوا والذين سافروا للعمل فى الخارج ففشلوا وتحذيرات أهلك لك من الغربة وإرهاب أصدقائك لك من خوض التجربة وقلقك القديم والجديد والمستقبلى من الفكرة وكل المسلسلات التليفزيونية التى شاهدتها وكانت تدور حول فكرة السفر للعمل بالخارج ولن يدعك تفك من هذه الأفكار صحواً أو نوماً طالما أعطيته فكرة يدور حولها ويعمل عليها.

فلماذا إذاً نساعده على تذكر الذكريات المؤلمة والمحرجة وكلما نحّاها جانباً واستبعدها ذكرناه بها مجدداً ؟؟؟

إجعلوها مذكرات وليست يوميات، مذكرات لفترات سعيدة تسعدون بتذكرها، لا سرد لكل الأحداث بلا إنتقاء، فليس من جمال فى تذكر سخافات وآلام ولّت وانقضت، بل أولى بنا أن نحمد الله أنها مرت وانتهت.

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع