الصحةعلم نفسمقالات نورا عبد الفتاح

إحنا مالناش دعوة

كمعلومة أكيدة وثابتة ومسلم بها ومعتبرة فى الأوساط العلمية والنفسية؛ أن الأشخاص المحيطين بالمريض النفسى لهم اليد العليا فى معاناته النفسية بقصد أو بدون قصد.

ولا يجوز بأى شكل من الأشكال أن يتنصل هؤلاء المحيطين من دورهم ومسئوليتهم فى هذا الشأن، ويظهرون فى صورة البرئ البراءة الكاملة.

لهم دخل فى معاناته ربما منذ سنوات وقد توقفوا ولكن آثار أفعالهم لا تزال تعمل، أو ربما لهم دخل منذ سنوات ولم يتوقفوا ولا يعلمون أن لهم دخلاً، وربما لهم دخلاً ويعلمون ومستمرون.

جميع الأمراض النفسية التى خلقها الله سببها الأساسى هو العلاقات الفاسدة أو المهينة أو المستزفة أو المؤذية أو المرهقة أو المحرجة، التى تأخذ النفس إلى منطقة الضغط والمعاناة بشكل دائم ولفترات طويلة وبصورة تراكمية، فتتحول هذه المعاناة إلى مرض نفسى صريح ومؤثر فى حياة المريض بشكل مؤذَ، يؤذى كل نشاطات حياته ويدخل فى كل أحداثه وأفكاره وقراراته.

ثم تجد هؤلاء المحيطون بالمريض والذين لهم الدور الأكبر والأقوى فيما وصل إليه، يتذمرون من مرضه ويظهرون الحيرة والقلق عليه وكأنه وفجأة أصبح بؤرة تركيز وإهتمام الجميع، ولكن فى صورة ( ها، الموضوع ده هيخلص إمتى ؟، إحنا عملنا اللى علينا ووديناه لدكتور )

والغير لطيف فى الأمر؛ أن المرض النفسى الذى تكون وتبلور على مر سنوات وعقود، لن ينحل وينفك ويذهب فى أسبوع ولا شهر ولا شهرين ولا ثلاثة، إنما تطول فترات التخلص منه إن حدث وتم التخلص منه لسنوات.

فإذا بهؤلاء المحيطون ينفد صبرهم ويشعرون بأن هذا المرض عبئاً عليهم، وإذا بالمريض المفرط الحساسية يشعر بشعورهم بالملل فيزداد مرضه تراجعاً وتسوء حالته، وتزيد الفجوة بينه وبين محيطه.

هل تعلم أن السبب الرئيسي الذى يجعل العلاج لدى الأطباء النفسيين ناجحاً ويؤتى ثماراً؛ هو شعور المريض بأن هناك شخص ما على الأرض يهتم لأمره ويحرص على مساعدته ويسانده ويدعمه، حتى ولو كان بمقابل مادى كبير، أو لأن هذا عمله ويؤديه.

فالأدوية النفسية تفعل بالجسم الكثير والكثير، مما لا يصدقه من يتصورون أن الأمراض النفسية كلها عبارة عن شعور بالضيق، ولا يعلمون أن الأمراض النفسية والعقلية بالعشرات والمئات وأكثر.

هل هذا يعنى أن الطبيب النفسى يمكن إستبداله بصديق مخلص أو أخ طيب أو إبن بار أو أب أو أم مراعين أو زوجة أو زوج يتقيا الله ؟؟

نعم، بكل تأكيد.

بالطبع أنا لا أنكر دور العلاجات الكيميائية ولا دور الأطباء النفسيين ولا المعالجين المساعدين لهؤلاء الأطباء، ولكن الحقيقة أن محيط المريض له الدور الأكبر من دور المصحات والأطباء والأدوية، فكل هذا فى مقابل إضطراب أو قبح بيئة المريض لا يصمدون فى علاجه بمفردهم، طالما مسببات مرضه لا تزال قائمة.

ومع إعترافنا بالإستعداد الفطرى للمرض النفسى والذى يخبر بتوقع إصابة شخص بمرض نفسى، إلا أن هذا الذى يتوقع المحيطين به إصابته نفسياً، يمكن مساعدته ومد يد المساعدة له مبكراً، فلماذا لا ينتبهون إليه قبل أن يدخل فى دائرة المرض.
وهل سيجدِ ذلك ؟

بكل تأكيد سيجدِ جداً، وسيتراجع مرضه تماماً ويعيش هانئاً معافً، يسعد هو ومن حوله.

ولأن المريض النفسى مفرط الحساسية؛ فهو يتأثر بعمق من الإيذاء وكذلك يسعد بكل العمق بمن يسانده وقت الحاجة أو يدعمه وقت الضعف، أى أنه سيحمل الجميل لمن حوله على هذا الدعم مدى حياته، فهو مجبول على الإحساس والإعتراف بالفضل، ولكننا لسنا متفرغين للتركيز على من حولنا أو على إحتياجاتهم النفسية أو طلبهم للدعم.


حتى أصبح المرضى النفسيين أكثر من المعافين، والسبب أنهم لم يجدوا من يستمع إليهم أو يفهمهم.
فمتابعة وسائل التواصل الإجتماعى المختلفة ومشاهدة فيلماً تلو الآخر والتنزه مع الأصدقاء أو النوم أو الأكل أو …..، أصبحت أهم بكثير من إنقاذ عقل ونفس أحد المقربين من الضياع أو الفقد !!!

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع