علم إجتماععلم نفس

من هو المتشائم وهل يستفيد من تشاؤمه ؟

يمكن تعريف الشخص المتشائم بأنه شخص يبالغ في تقييم المواقف والظروف التي يمر بها في حياته، ويتوهم حدوث أشياء بعيدة عن الواقع تماما وينساق خلف تلك الأوهام دون أن يقدم على عمل نافع أو ناجح.

وبالتالي يؤدي به ذلك إلى الفشل وتوقع النتائج السيئة قبل حدوثها مقيدا نفسه بها؛ ولذلك يعيش المتشائم في عزلة نفسية واجتماعية منطويا على نفسه لا يرغب في الاختلاط مع الآخرين، كما أنه يرى الأمور من نظارة يائسة، يوجه اللوم إلى نفسه على أمور لم يرتكبها، وغالبا ما يتصف هذا الشخص المتشائم باكتئاب نفسي أو اكتئاب بيولوجي.

ومما يميز صاحب هذا النوع الأخير أنه يشعر بحالة كبيرة من الضيق والتشاؤم والمشاعر السوداء في الصباح عند الاستيقاظ من النوم.

لقد أثبت العلماء والباحثون أن التشاؤم من أخطر الأمراض التي تصيب الإنسان؛ حيث أثبتت دراسة أمريكية في جامعة دوك أن الأشخاص المتشائمين تزداد نسبة وفاتهم في الأربعين سنة الأولى أكثر من المتفائلين بنسبة تصل إلى 42%؛ لذلك فإن الشخص المتشائم أقصر عمرا من الشخص المتفائل بسبب الأضرار التي تصيبه من جراء الصفات التشاؤمية.


الشخصية المتشائمة هي إحدى الشخصيات التي نقابلها في حياتنا اليومية بشكل مستمر، من الممكن أن تكون هذه الشخصية إحدى أفراد عائلتك، أو أحد زملاؤك في العمل، أو أحد أصدقاؤك المقربين.

ويعني مصطلح الشخصية في علم النفس القناع الذي كان يرتديه ممثلين الإغريق على وجوههم، وذلك أثناء أدائهم التمثيلي على خشبة المسرح، واستناداً إلى مفهوم القناع هذا، فكان هناك في الاعتقاد أن الشخصية هي عبارة عن التأثير الذي كان يتركه الشخص المرتدي للقناع “الممثل” على المشاهدين، والجمهور.


ويتم تعريف الشخصية في المعنى الاصطلاحي، أنها عبارة عن مجموعة منظمة من نماذج السلوك للفرد بالإضافة إلى الاتجاهات، والمعتقدات التي يقتنع بها، كما أن الشخصية تعد أيضاً عبارة عن القيم النمطية التي يعترف بها الشخص، ويؤكد عليها الأشخاص المحيطين به.



في النهاية ليس الشخص المتشائم هو النوع الوحيد من الشخصيات السلبية التي تلزمنا الحياة التعامل معهم في يوم من الأيام، فهناك الكثير من الشخصيات السلبية الأخرى التي سيكون لزاماً علينا التعامل معهم، لذا يجب أن نفهم جيداً كيف نتعامل مع هذه الشخصيات حتى لا تؤثر بسلبيتها علينا.



ويشرح فوشيا سيرويس، الباحث في علم النفس الصحي في جامعة شيفيلد، كيف أن أحد أنواع التشاؤم، الذي يطلق عليه “التشاؤم الدفاعي” يعطي الناس دفعة إلى الأمام.

ويتساءل سيرويس في مقالته عن حال هؤلاء الذين يميلون للنصف الفارغ من الكوب بدلا من الممتلئ؟

هل كون المرء متشائما دوما يبدو شيئا سيئا؟ في الواقع، تشير أحدث الأبحاث إلى أن بعض أشكال التشاؤم قد تكون لها فوائد.
فالتشاؤم ليس مجرد التفكير السلبي.

كشف علم الشخصية أن التشاؤم يشمل أيضا تركيزا على النتائج بمعنى أن تتوقع ما سوف يحدث في المستقبل.

ففي حين يتوقع المتفائلون، أكثر من غيرهم، أن تتحقق نتائج إيجابية، يتوقع المتشائمون أن تكون النتائج السلبية أكثر احتمالا.

إن هناك نوعا معينا من التشاؤم، تحديدا “التشاؤم الدفاعي”، الذي يأخذ ذلك التفكير السلبي إلى مستوى جديد كليا ويسخره بالفعل كوسيلة للوصول إلى الأهداف.

وأظهرت الأبحاث أن هذه الطريقة في التفكير لا يمكن أن تساعدهم فحسب على تحقيق النجاح، بل وتجلب لهم، إلى حد ما، بعض المكافآت غير المتوقعة.

ومع ذلك، فإن الشكل الرئيسي الآخر من التشاؤم، والذي ينطوي ببساطة على إلقاء اللوم على النفس للنتائج السلبية، له آثار إيجابية أقل.


ولكن كيف يعمل التشاؤم الدفاعي فعلا؟ وما هي الفوائد التي يمكن أن تتوقع حدوثها بسببه؟

يشير الباحثون إلى أن التشاؤم الدفاعي هو استراتيجية يستخدمها الأشخاص كثيرو الحرص لتساعدهم على إدارة قلقهم، والتي خلافا لذلك، تجعلهم يريدون أن يعملوا في الاتجاه المعاكس لهدفهم بدلا من متابعته.

إن العامل الحاسم هو وضع توقعات منخفضة لنتائج خطة أو وضع معين، مثل توقع أنك لن تحصل على وظيفة بعد مقابلة عمل، ومن ثم فإن تصورك لتفاصيل كل شيء قد يكون من الخطأ أن تجعل هذه السيناريوهات الأسوأ حالة حقيقية.

وهذا يعطي المتشائم الدفاعي خطة عمل لضمان أن أي حوادث متخيلة لن تحدث في الواقع، مثل ممارسة تمرين على المقابلة، والوصول إليها في وقت مبكر.

ويمكن أيضا أن يكون التشاؤم أكثر فائدة من التفاؤل في المواقف التي تنتظر فيها أخبارا عن نتيجة، ولا توجد فرصة للتأثير على تلك النتيجة (مثل انتظار نتائج مقابلة العمل).

عندما تكون النتيجة ليست جيدة بالقدر الذي كان المتفائل يأمله، فإنها تصيبهم بضرر أكبر لرفاهيتهم، كما يشعرون بخيبة أمل أكبر ومزاج سلبي، أكثر مما لو كانوا تحلوا ببعض التشاؤم.

ومن الغريب أن هذا النوع من التشاؤم يمكن أن يساعد في تعزيز الثقة، ففي إحدى الدراسات التي تابعت الطلاب عبر سنواتهم الجامعية، شهد أولئك الذين كانوا متشائمين دفاعيين مستويات أعلى بكثير من تقدير الذات مقارنة بغيرهم من الطلاب القلقين.

في الواقع، ارتفع تقديرهم الذاتي إلى مستويات المتفائلين تقريبا على مدى السنوات الـ4 من الدراسة.

وهناك احتمالات أن ذلك يرجع إلى زيادة ثقة المتشائمين الدفاعيين في توقع النتائج السلبية التي يتصورونها وتجنبها بنجاح.

إن استراتيجية التشاؤم الدفاعي المتمثلة في الاستعداد لمنع النتائج السلبية يمكن أن يكون لها أيضا بعض الفوائد الصحية الحقيقية.

على الرغم من أن هؤلاء الأفراد سوف يقلقون أكثر من المرض، خلال تفشي مرض معد بالمقارنة مع المتفائلين، لكنهم أيضا سيكونون أكثر حرصا على اتخاذ إجراءات وقائية، على سبيل المثال، سيغسلون أيديهم ويطلبون الرعاية الطبية فورا عندما يواجهون أية أعراض غير عادية.

عندما يصاب المتشائمون بمرض مزمن قد يتكوّن لديهم رأي سلبي بخصوص المستقبل لكن ربما بواقعية أكثر بما يشجع على نوع من السلوكيات التي يوصي بها أخصائيو الرعاية الصحية لإدارة المرض.

وأجريت دراسة على مجموعتين من المتطوعين، الأولى ممن يعانون من مرض التهاب الأمعاء، والأخرى من المصابين بالتهاب المفاصل، وطلب منهم تقييم صحتهم في المستقبل من خلال تطبيق نطاق يتراوح بين السيئ والممتاز. ولأن كلا من التهاب المفاصل والتهاب الأمعاء هي ظروف صحية طويلة المدى، وغالبا ما تزداد سوءا مع مرور الوقت، فقد كان من غير المتوقع أن تتضمن الإجابات توقعات بتحسن كبير لصحتهم في المستقبل.

رغم ذلك، توقع المتفائلون في التوقع المستقبلي لأحوالهم الصحية بأنها سوف تتحسن مستقبلا، في حين رأى المتشائمون أن صحتهم سوف تزداد سوءا في المستقبل.

إن الفرق الرئيسي الذي يفصل بين المتشائمين الدفاعيين والأشخاص الآخرين، الذين يعتقدون عكس ذلك، كهؤلاء الذين ينتابهم القلق أو الاكتئاب، إنما يتمثل في طريقة التعامل مع تلك الأمور.

فعلى حين أن الناس يميلون إلى تجنب التعامل مع المشاكل المتوقعة، وذلك عندما يشعرون بالقلق أو الاكتئاب، فإن المتشائمين الدفاعيين يستخدمون توقعاتهم السلبية لتحفيزهم على اتخاذ خطوات فعالة ليشعروا بأنهم مستعدون وأكثر سيطرة على النتائج.

ولذا، أن يكون المرء متشائما ليس بالضرورة أمرا سيئا على الرغم من أنه ربما يسبب الضيق للآخرين.

ولكن في نهاية المطاف، فإن ما يحصده الإنسان نتيجة لهذا التشاؤم هو الذي يهم.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع