اللى يقول أسراره يستاهل اللى يجراله
كل فعل نقوم به نبدع فيه، نحاول أن نؤديه على أفضل ما نستطيع وبأقل وقت ومجهود، فى عملنا، إستذكار دروسنا، أداء مهامنا، وحتى فى إفشاء أسرارنا.
نعم، فإفشاء الأسرار فن لا يتقنه الكثيرون، فهناك من يفشلون فى إذاعة أخبارهم ويشعرون بالتوتر لو علم عنهم الناس ما لم يستعدوا لإعلانه.
وهناك من يبدعون فى بث كل الأحداث لمن يجب أن يعلم ولمن لا يجب.
يجهرون بكل تفصيلات حياتهم وحياة غيرهم، أى معلومة تمر أمام أعينهم أو آذانهم فقد أصبحت قيد الإجهار فى أقرب وقت؛ كم رصيدهم فى البنوك أو أرصدة غيرهم، ماذا أكلوا اليوم أو ماذا أكلوا بالأمس وماذا أكل جارهم، أين ذهبوا بالأمس وأين سيذهبوا اليوم وغدٱ، ماذا قالت لهم زوجاتهم ( أزواجهم ) فى كل الأمور المتعلقة بمستقبلهم ومستقبل أولادهم، كم مرة يستحمون وفى كم طبق يأكلون، ما الذى يخططون له أو يخطط له آخرون فى الأربعين عامٱ القادمة.
المقرف فى هذا الصدد أنهم يكشفون أسرار الغير، من أهان من ومن سرق من ومن طُرد من العمل ومن طلق زوجته لأنها خائنة ومن خلعت زوجها لأنه بخيل، ومن رسب فى الامتحان وسيفصل من الكلية، ومن تعاركا وضرب كلٱ منهما الآخر.
ينطلقون كالجراد، ينشرون كل أخبار الجميع للجميع دون كلل أو ملل، فهى وظيفة مسلية ولطيفة على قلوبهم، ( الرغى ثم الرغى ).
يمكنهم أن يقصوا نفس القصة ستة أو سبعة أو تسعين مرة، ولا يبالوا.
هؤلاء على قدر ضعف ذكائهم وسوء تصرفهم إلا أن المراس يساعدهم كيف يبدأون وينهون أخبارهم على النحو الذى يرضيهم وبالشكل الذى رسموه فى خيالهم قبل البدء فى خطوة الإفشاء.
فهم يحددون أولٱ؛ هل يريدون أن يظهروا فى دور الضحية أم المفترى، هل يريدون أن يجعلوا فلان ظالمٱ أم مظلومٱ ؟
من سيظهرون كأبطالٱ ومن سيختفون عن العيون فى هذه ( الطلعة ).
وبالطبع أناس بهذه الطباع يلفقون القصص حتى تظهر فى أبهى كذبة جاذبة للجماهير، حتى يضمنون أكبر عددٱ من المتابعين، وكلما كانت الأخبار عن شخصية كتومة تميل إلى الإضمار والإبطان والستر، كلما كانت قيمتها أكبر وجذبت متابعين أكثر.
ويشترك فى هذا الرجال والنساء وإن غلبت فيه بعض النساء بعض الرجال، إلا أن التهمة مشتركة، يفعلها كلاهما.
فكلاهما يثرثر بتفاصيل حياته مع الأصدقاء القدامى والزملاء الجدد والجيران والأقارب والأخوة وآخرين، وأحيانٱ يثرثر الزوجين مع الناس دون بعضهما، فيصبح الجميع يعلم بالخبايا والأسرار إلا الزوج ( الزوجة ).
إفشاء الأخبار حتى وإن لم تكن أسرارٱ بالخوض فى أى تفاصيل خاصة بحياة المتحدث أو حياة آخرين، يشير إلى شخص غير سوى، ومن السمات التى تنبهك أنه من واجبك الحرص من صاحبها وعدم الاقتراب منه أكثر من اللازم، بل عدم الاقتراب منه أساسٱ.
تمتلئ رأس هؤلاء بالقصص والأخبار الجزئية والتفصيلات الصغيرة والأحاديث المنفصلة، فلا تجد فى رؤوسهم ( أفكارٱ ) قط، فليس ثمة مبدأ أو توجه معين يتجهونه، إنما رؤوسهم مليئة بالقصص، محض قصص، لأحداث تافهة قليلة الأهمية، خالية تمامٱ من أى منفعة من أى نوع.
كنت أتصور أن مفشى الأسرار يشعر بالخزى من نفسه والعار من تصرفاته ولكنه فى الغالب ما يغدو سعيدٱ بحرص الناس على الحديث معه، فهم يفتشون على أخبار بعضهم البعض وها هو يساعدهم ويقدم خدمة سريعة وبدون مقابل، فلماذا لا يحبونه ويلتفون حوله ويشجعونه لينهلوا منه المزيد، فهو يصدق أحيانٱ أنه محبوب بالفعل ولا يعلم أنهم لا يربون منه إلا سماع الخبايا والإطلاع على العورات.
وبعيدٱ عن مدى إستنكار أى إنسان سوى لمثل هذا الفعل إلا أن هؤلاء المفشون فى الحقيقة ضعافٱ ومساكين وتائهون، فكل من لا يملك نفسه ضعيفٱ مسكينٱ تائهٱ.
لا تخبر أحدٱ بأحداثك الخاصة لئلا تنتهى فى فم أحد هؤلاء، وعلى رأى المثل :
( اللى يقول أسراره يستاهل اللى يجراله )
وكما قال الشاعر :
( اللى يفشى أسراره يتقلّ مقداره ).