مقالات نورا عبد الفتاح

سيكوباتيون وميعرفوش



أعشق الدكتور أحمد عكاشة عندما يتحدث عن أى شئ يخص النفس وعلم النفس أو التحليل النفسى وكل ما يتعلق بعقل الانسان وكيف يعمل وكيف يفكر وكيف يفسر الأحداث والمواقف وكيف يرد بأفعاله.


لعدة مرات ذكر الدكتور عكاشة؛ أن عددا كبيرٱ إن لم يكن أغلب البشر، مصابون باضطرابات ذهنية متفاوتة فى الشدة، وهم لا يدرون لاعتيادهم على سلوكيات خاطئة ( وده عادى عندهم ) ونحن لا نعلم، لجهلنا بتفاصيل المرض أو لضعف السمات المرضية للمريض أو لشدة شيوعها، التى أجبرتنا على إعتيادها وشعورنا بأنها سلوكيات عادية لا ترقى إلى درجة المرض النفسى.

إن كانت هذه الاضطرابات تخص الشخص ذاته أو ينحصر تأثيرها عليه، فهذا خيرُ كبير أما إن كان أثرها يمتد إلى محيطين بل وأحيانٱ إلى كل المحيطين، فهذا أمر شديد الأسف وبلوة كبيرة وتستحق البحث لها عن حل، لأن لها تأثيرٱ جادٱ علينا وعلى من يمارسها.

صدق أو لا تصدق أن أحد أشهر الاضطرابات النفسية ومن أكثرها شيوعٱ؛ اضطراب تتعدد سماته بصورة يصعب معها تخيل اجتماعها معٱ فى مخلوق واحد، حتى وإن بدت تصرفات عادية وعيوب شائعة، ولكن اتفاقهم جميعٱ فى آن، شئ قاسِ حقٱ على ضحايا هذا الشخص وتزعجهم وتؤرق راحتهم.

شخص لا يقيم علاقات صحية فى المطلق من أى نوع، مع أقارب أو أباعد، يكسر القواعد والقوانين والأعراف ويسعد بذلك، يهرب من كل أنواع المسئوليات، لا يتحكم فى غضبه، كذاب وحقود حتى على أقرب الناس إليه، عدوانى وسئ الخلق، لا يتقبل الاختلاف ولا النصح، هل نكتفى الآن أم نسرد باقى بلواه وشروره التى لا تفتأ تتوزع يمنة ويسرة ؟

انها الشخصية السيكوباتية !
هل تعرف منهم، واحدٱ أم اثنان ؟ أم أكثر ؟

كم يشق عليك التعامل مع من يكره الخير والناس والايجابية، يكره الهدوء ويخطط طوال الوقت لإيذاء أبرياء، لا يرحم نفسه ولا من حوله، والأسوء فى الأمر أنه لا يندم قط !

(ماذا ؟)

بالفعل هو لا يندم على كل هذه المهازل، لأنه ببساطه لا يعلم بمرضه، لا يعلم أنه بؤرة إجرام مختبئة خلف سلوكيات منفردة قد تبدو عادية ولكن اجتماعها معا يمثل أزمة حقيقية ومرض قائم ويحتاج إلى علاج، حتى يريح الضحايا، لأنهم هم المتضررون أما هو فلا يدرى عن أزمته شئ ولا يعانى منها قدر ذرة، بل على العكس إنه يستفيد من ممارساته كلها ( 24 قيراط).

كم صدمتنى معلومة أن مثل هؤلاء السيكوباتيون لا يعلمون أن حقيقة أفعالهم تنم عن اضطراب نفسى؛ وخبث نواياهم وبشاعة خططهم، إنما يرونها حصافة ومهارة وتميز وبحث عن مصلحة و(شطارة).

كنت أعزى نفسى دائمٱ بأن كل من يضايق غيره أو يؤذيه؛ وهو يعلم بسبق إصراره وترصده، سيدفع ثمن إيذائه عاجلٱ وآجلا، وستنتظره سيئاته وذنوبه فى حياته ثم فى قبره ثم فى يوم الدين.

ولكن إن كانوا هؤلاء لا يعرفون أنهم مرضى وأن إدراكهم بالفعل قد إختل وكيمياء أمخاخهم بالفعل قد تغيرت، فما العمل ؟

ما العمل سوى أن نعزى أنفسنا بثواب وخير جزاء ينتظر كل من يتحمل هؤلاء الأشرار، الذين تحول شرهم الابتدائي البسيط إلى شر مشع ومسيطر ولا مفر !

مثل هؤلاء مثل الكثيرون من المضطربين نفسيا ويذهبون ويجيئون ويعملون ويتزوجون ويظلمون ويفجرون ويموتون، منهم من يعلم بعدم صحة أفعاله ومنهم من لا يعلم بمرضه إلا الله.

إنهم يعيشون ويؤذون ولا يلتفتون، يتقدمون فوق مصالحنا بل فوق جثثنا ولا يأبهون مثقال ذرة.

والحذر كل الحذر أن نصبح يومٱ منهم ونحن لا ندرى مثلما هم لا يدرون،( ما هم طلعوا ميعرفوش ).

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع