مقالات نورا عبد الفتاح

الإكتشاف الجديد

قضية الجنة والنار أكثر القضايا التى أتصور أنها تشغل بال أى إنسان بصرف النظر عن دينه، وعلى الرغم من أن مصيرنا إلى الجنة أو إلى النار موضوع مخيف ومهيب، مريع ومفزع، إلا أننا فى الغالب لا نعطه حقه من الاستعداد والتأهب.

وحتى لا أُتهم بثقل الظل وأننى ( بادى نصايح وعاملة نفسى مثالية )، سأتناول هذا الموضوع من جانبى الشخصى البحت، وأتحدث عنه من تجريتى الشخصية الخالصة وأعترف بكل ما جال بخاطرى، دون الخوض فى نوايا آخرون أو إسداء نصائح أو أى إدعاء لأى مثالية.

فى وعكة صحية تبدو ليست سهلة من وجهة نظرى، نتجت عن تناول دواء خاطئ وبجرعة زائدة، وإذا بى أجد نفسى فى مواجهة الموت، أو هذا ما خُيل إلى ساعتها، أننى سأموت الآن قبل أن تنتهى هذه الدقيقة وإن اكتملت هذه الدقيقة فلن تكتمل التالية، أنا الآن أموت وأفارق الحياة بلا رجعة، لن أتمكن من إصلاح أخطائى فما من وقت، ليس هناك وسيلة للتكفير عن ذنوبى، ففرصى كلها قد انتهت، فى الغالب سأدخل النار لأن أعمالى لا ترقى إلى الجنة، سأدخل جهنم عقابٱ لى على سوء أدبى مع الله، عقابٱ لى على الأغانى التى أسمعها بالساعات، عقابٱ على الغيبة والنميمة التى لا أتوقف عنها، عقابٱ على كل الفرص التى واتتنى للتقرب إلى الله فالتفتت عنها وكأنى لم أرها.

كان كل همى أن أحارب الأزمة حتى لا أموت قبل الوصول إلى المستشفى وكأن الحل فى المستشفى وليس بيد الله، ولكنى تذكرت أننى قد أموت قبل أن أصل، لا سيما ونحن نسير أثناء حظر التجوال وكل عدة دقائق تستوقفنا الشرطة للسؤال عن سبب خرق الحظر !
وكلما استوقفونا لعدة ثوان كلما ارتعبت وشككت فى تحملى عبء الطريق وظننت أننى لا محالة سأموت قبل الوصول، ثم تخيلت الوضع لو أننى وصلت ثم فشلوا فى إنقاذى لأى سبب ومت بالفعل، هل ستكون روحى خرجت من جسدى، أم أن هذا الحال سيطول لأكثر من ذلك، ولو طال، إلى متى سيطول، لدقائق أو لساعات، وإن كنت أتعجل خروج روحى من جسدى، فسأتعجل كذلك معرفة مصيرى الذى سيكون فى الغالب إلى النار.

فأنا صريحة مع نفسى ومتصالحة مع أخطائى وذنوبى وبلواى، حتى أننى لا أحاول التخلص منها وإصلاح الأخطاء.

أثناء الطريق فكرت أن أردد الشهادتين، حتى أموت وأنا أرددها، أم أستغفر الله على ذنوبى وأخطائى التى لا يعلمها أحد، ويظنون أننى ورعة وأتقى الله، أم أنذر نذرٱ بكذا أو كذا، ولكنى وبكل جبروت حتى وأنا أموت، أقول لنفسى ما معناه ؛ أننى لو خرجت من هذا الأمر سأتقرب إلى الله بعدة طرق، ولا أنذر نذرٱ معينٱ حتى لا يكون إلزامٱ لى. ( جبروت فعلٱ).

عدت أسأل نفسى ” إنت بتعملى إيه يدخلك الجنة ؟ “هل لديكِ ما يستدعى الفخر بأعمالك؟
أبدٱ.
فعباداتى كلها عادية جدٱ لا تتسم بالورع، علاقاتى كلها عادية ليس فيها من حسن الخلق أو تقوى الله ما ينبغى، إلتزاماتى تجاه أى شئ وكل شئ فيها من التهاون أكثر مما فيها من الإلتزام.

وعلى الرغم من أن الله قد أخرجنى من هذه الأزمة بشكل يكاد يكون كليٱ، إلا أننى لم أفعل شيئٱ، لم أحسن من أدائى الدينى فى شئ، لم أبعد نفسى عن النار بمقدار مترٱ، لم أقرب نفسى إلى الجنة بقدر 2 سنتيمتر.

ينطبق على تمااااااامٱ الآية الكريمة 12 من سورة يونس :
“وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”

وكذلك قوله تعالى فى سورة فصلت الآية 51:
“وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ”.

وكذلك قوله تعالى فى سورة العنكبوت الآية 65 :
 “فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ”.

الحقيقة التى عرفتها عن نفسى ولم أكن أعرفها من قبل هى حقيقة أننى جبانة جدا وضعيفة الإيمان، أخشى النار ولا أعمل ما يجيرنى منها وأتمنى الجنة وأنا لا أستحقها، ولا أفعل ما يؤهلنى لها.

الحقيقة أننا ضعافٱ جدٱ أمام الموت وأمام المرض ولكننا لا نكف عن التجبر على أنفسنا وعلى بعضنا وعلى التجروء على الله، إعتقادٱ منّا بأن الموت بعيد والأجل بعيد والنار بعيدة.

لا أدرى من أين لنا بهذا الجبروت !
والاكتشاف الجديد؛ أن( الأجل مافيش أقرب منه ) !

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع