نيلز بولين وحزام الأمان
واحدة من أقوى الدوافع التي تميزنا كجنس بشري هي رغبتنا في أن نترك إرثًا خلفنا، ليتذكرنا الناس بعد موتنا.
لكن من المحزن دائمًا أن معظمنا يعيش ويموت دون أن يذكره التاريخ. ومع ذلك نتمنى أن يذكرنا بعض الأقارب والأصدقاء، وغالبًا ما تكون إنجازاتنا في الحياة لا تكاد تُذكر، وسرعان ما تصير في طي النسيان.
بطبيعة الحال، هناك بعض الأشخاص الذين خلّد التاريخ أسماءهم، لتحيا طويلًا من بعد رحيلهم. ثم هناك أولئك الرواد المجهولون الذين غيرت إنجازاتهم الجيدة منها والسيئة مسار التاريخ، ولكن ظلت أسماؤهم في الأغلب مجهولة بالنسبة لنا.
سواءً كان ذلك عن عمد، أو عن طريق المصادفة، فهنالك بعض الأشخاص الذين لم يسجل التاريخ مساهماتهم، برغم أنها غيرت شكل العالم كما نعرفه.
ومن بينهم المهندس السويدى نيلز بولين،
كان المهندس السويدي نيلز بولين يعمل لدى شركة فولفو في عام 1958 عندما توصل إلى تصميم ثوري أنقذ ملايين الأرواح؛ حزام الأمان في السيارة بشكله الحالي.
كان حزام الخصر البسيط (مثل الذي نراه في الطائرة) منتشرًا لفترة طويلة في السيارات، ولكن جاء حزام الأمان المثبت في ثلاث نقاط كتقدم تكنولوجي رائع مع تصميم بسيط للغاية. تلقى بولين براءة اختراع للتصميم في العام التالي.
وكانت أول سيارة تصدر بحزام ثلاثي النقاط هي فولفو (PV 544). تخلت الشركة بعد ذلك عن براءة الاختراع كي تستفيد منها باقي الشركات للحفاظ على أرواح وسلامة السائقين، ليصبح الحزام الجديد أساسيًا في مختلف السيارات الجديدة حول العالم.
ولا توجد طريقة لحساب عدد الأرواح التي أنقذها حزام الأمان، ولكن يقدر العدد بالملايين، فعلى قدر بساطة الفكرة، إلا أنها كانت من أعظم الأفكار على الإطلاق.
أحزمة الأمان تُنقذ سنويًا ما يقارب حوالي 13,000 شخص في الولايات المتحدة، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ حوالي 7,000 من وفيات حوادث السير في الولايات المتحدة كان من الممكن أنّ تنجو؛ في حال كانت تلك الضحايا ترتدي حزام الأمان قبل وقوع الحادث، وذلك وفقًا لتقرير بحثي صادر عن الإدارة الوطنيّة للسلامة على الطرق السريعة.
ويُمكن لأحزمة الأمان أنّ تمنع الركاب من التعرض للإصابات البالغة بخمسة طرق :
إبقاء راكبي المركبات في الداخل: إذ أنّ الأشخاص الذين يتم إلقاؤهم خارج المركبات؛ هم الأشخاص الأكثر عرضة للموت بأربعة أضعاف مرة من الأشخاص الذين يبقون داخل المركبات.
كما أنه يُقيّد أقوى أجزاء الجسم؛ إذ أنّ حزام الأمان تم تصميمه للاتصال بجسم الإنسان عند أقوى أجزاؤه.
كما يساعد حزام الكتف أيضًا على إبقاء الرأس والجسم العلوي بعيدًا عن لوحة القيادة، عجلة القيادة والأجزاء الداخلية الصلبة الأخرى في السيارة؛ وذلك في حال توقفت السيارة بشكل مفاجئ أو تعرضت للاصدام بسيارة أخرى.
كما يساعد الجسم على التباطؤ؛ إذ أنّ أهم عامل لحدوث الضرر هو التغيير المفاجئ في السرعة، حيث تساعد أحزمة الأمان على إطالة الوقت الذي يستغرقه الشخص للتباطؤ عند وقوع حادث التصادم.
كذلك حماية الدماغ والحبل الشوكي: حيث تم تصميم حزام الأمان لحماية هاتين المنطقتين الحرجتين، إذ أنّه يصعب رؤية إصابات الرأس على الفور، إلا أنّها قد تكون قاضية.
وبالمثل يُمكن أنّ يكون لإصابات الحبل الشوكي عواقب وخيمة أيضًا.
بدأ منح أول براءة اختراع أمريكية لأحزمة أمان السيارات لصالح إدوارد ج. كلاغورن، في نيويورك في 10 فبراير عام 1885.
ومن الجدير ذكره أنّ الناس سابقًا لم يستخدموا أحزمة الأمان بشكل دائم، ففي الواقع وحتى الخمسينيات؛ كان فقط سائقو سيارات السباق يرتدونها بانتظام، إلا أنّه لاحظت شركة سيارات فولفو مشكلة في منتصف الخمسينيات؛ إذ تبيّن أنّ الآلاف من الناس يصابون كل عام في حوادث السيارات، مما دفع الشركة للانطلاق نحو حل يُبقي الناس أكثر أمانًا في السيارات.
ثم وظفت شركة فولفو المهندس السويدي نيلز بولين في عام 1958، والذي أصبح أول مهندس سلامة في فولفو، وكانت السيارات في ذلك الوقت مزودة بأحزمة أمان ثنائية النقاط.
إلا أنّ بولين قد وجد أنّ هذا النوع من أحزمة الأمان في المركبات لم يكن يُقدم أيّ حماية للسائقين أو للركاب، فالكثير من الناس لم يكن يرتدي هذه الأحزمة عند ركوبهم السيارة أو قيادتها، وللمساعدة في تحسين الموقف صمم بولين حزام أمان جديد قادر على توفير حماية أفضل للسائقين والركاب؛ بالإضافة إلى سهولة استخدامه.
فكان تصميمه عبارة عن حزام أمان ثلاثي النقاط، وهو الحزام الذي يستخدم في المركبات في الوقت الحاضر.
ومن الجدير ذكره أنّ حزام الأمان ثلاثي النقاط هو ليس حزام الأمان الأول؛ إلا أنّه حزام الأمان الحديث، حيث تم تقديم حزام أمان نيلس بولين للكتف بواسطة فولفو في عام 1959.