مواقف شجاعة من حياة الزبير بن العوام
هو الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي، يكنّى بأبي عبد الله، ويلقّب بحواري الرسول عليه الصلاة والسلام، كما أنّه ابن عمته صفية بنت عبد المطلب.
بُشّر الزبير بالجنة فكان أحد العشرة المبشرين بها، وكان أحد رجال الشورى الستة بعد مقتل عمر بن الخطاب.
كان مولد الزبير في العام الثامن والعشرين قبل الهجرة، وأسلم مبكّراً بدعوةٍ من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان عمره حينها خمسة عشر سنةً، وتلقّى بسبب إسلامه صنوفاً مختلفةً من العذاب من قبل قومه، ولذلك كان أحد المهاجرين إلى الحبشة، ثمّ هاجر إلى المدينة المنورة مع زوجته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وكان ابنهما عبد الله أول مولودٍ في المدينة للمسلمين.
عُرف الزبير بن العوام رضي الله عنه بشجاعته وبطولته وإقدامه، ومن المواقف التي تشهد على ذلك فتح المسلمين لمصر، فبعد أن استمرّ الحصار سبعة أشهرٍ، واستعصى الأمر على المسلمين، بذل الزبير رضي الله عنه أقصى جهوده في سبيل الفتح، فأخذ سلماً وأسنده إلى الحصن، وصعد، وأخبر المسلمين بأن يُجيبوه عند سماعهم تكبيراته، ثمّ رمى بنفسه إلى داخل الحصن، واستمرّ بالقتال حتى فتح الباب، ودخل المسلمون وكان الفتح.
توفّي الزبير بن العوام رضي الله عنه قتلاً على يدي ابن جرموز غدراً عندما كان يصلّي الزبير.
وكان من السبّاقين للإسلام والجهاد، فهو أول من سلّ سيفه في الإسلام، وكان يُقال أنّ الزبير بن العوام رجلٌ بألف فارسٍ، وقد شهد المعارك كلّها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقاتل في بدر، وأُحد، وشهد الأحزاب، وكان حاضراً في كلّ معارك المسلمين الفاصلة.
وقد كانت الجروح التي ملأت جسده وصدره الذي كان يُشبه العيون من كثرة الطعنات والضربات خير شاهدٍ ودليلٍ على تضحيته وفدائه.
وقد عُرف بالفروسية والشجاعة، ونُقل عنه الكثير من المواقف التي تدلّ على أنّه شخصيةً نادرةً قلّ ما تُأتى الأيام بمثلها.
ومن تلك المواقف:
معركة بدر: قاتل الزبير بن العوّام رضي الله عنه في معركة بدر قتال الأبطال، ورُوي أنّ المعركة جمعته برجلٍ من صناديد الكفر، وهو عبيدة بن سعيد بن العاص، الذي كان يلقّب بأبي ذات الكرش، فلمّا التقى به كان الرجل مدججاً بالدروع لا يُرى منه إلّا عيناه، فضربه الزبير رضي الله عنه برمحٍ قصيرٍ، فاخترق الرمح عينه، فمات على الفور.
ورُوي أنّ الزبير رضي الله عنه وضع رجله على أبي ذات الكرش، ونزع الرمح، فخرج بصعوبةٍ بعد أن انثنى طرفه، وقد سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزبير رضي الله عنه ذلك الرمح، فأعطاه له، وبقي عنده إلى أن توفّاه الله، فأخذه الزبير، ثمّ طلبه أبو بكر الصّديق رضي الله عنه، فأعطاه إيّاه، وبقي عنده فلمّا توفّي طلبه عمر رضي الله عنه، فأعطاه إيّاه، فلمّا توفّي عمر أخذه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلمّا قُتل عثمان أخذه آل علي بن أبي طالب، فطلبه عبد الله بن الزبير، وبقي عنده إلى أن مات.
فتح مصر:
كان للزبير بن العوام رضي الله عنه فضلاً عظيماً في فتح مصر؛ فعندما استعصى أحد الحصون على جيش المسلمين دام الحصار أكثر من سبعة أشهرٍ، كان الفرج على يد الزبير رضي الله عنه، حيث قال: (أهب نفسي لله وللمسلمين)، ثمّ تقدّم نحو الحصن، وأمر الجند أن ينطلقوا نحو الباب عند سماع تكبيراته، ثمّ وضع سلّماً طويلاً على جدار الحصن، وألقى بنفسه وسط الأعداء، فلمّا تنبّهوا قاتلهم بشدّةٍ، حتى وصل إلى باب الحصن، وفتحه ثمّ كبّر، فهجم الجنود نحو الباب، ودخلوا الحصن، وتمّ الفتح العظيم.
معركة اليرموك:
من المواقف البطولية للزبير بن العوام رضي الله عنه ما صنعه في معركة اليرموك التي كانت من أصعب المعارك على المسلمين، فقد كان عدد الروم يومها مائتي ألف مقاتلاً، فقد روى البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنّه قال: (أنّ أصحاب الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للزبير يومَ اليرموك:
ألا تشدّ فنشدّ معك؟ فقال: إنّي إن شددت كذبتم، فقالوا: لا نفعل، فحمل عليهم حتى شقّ صفوفهم، فجاوزهم وما معه أُحُدٍ، ثمّ رجع مقبلاً، فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضربها يومَ بدر، قال عروة: كنتُ أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير).
بايع الزبير بن العوام رضي الله عنه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، ثمّ انطلق مع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه إلى مكة معتمراً، ثمّ توجها إلى البصرة؛ للأخذ بثأر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي الطريق التقى الجيش الذي هم فيه بجيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان ذلك في العام السادس والثلاثين للهجرة، في موقعة الجمل، وبعد حوارٍ جرى بين الزبير وطلحة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً، رجع الزبير وطلحة عن المشاركة في تلك الحرب.
ولكنّ أهل الفتنة لم يرضهم هذا القرار، فقتل الصحابيان ولقيا ربّهما على إثره، فقُتل طلحة بسهمٍ من مروان بن الحكم، واستشهد الزبير بن العوام رضي الله عنه غدراً، وهو يصلّي على يد رجلٍ اسمه عمرو بن جرموز.
فلمّا وصلت الأخبار إلى علي بن أبي طالب غضب غضباً شديداً، وقال: (بشّروا قاتل ابن صفية بالنار)، وعندما أحضروا إليه سيف الزبير بن العوام بكى بكاءً شديداً، وأخذ يقبّل السيف ويقول: (سيفٌ طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).