مقالات نورا عبد الفتاح

هو لا يفعل الخطأ ولكنه لا يفعل الصواب




عبارة غريبة تصدر عن أناس كُثر بكل ثقة وثبات: ” أنا تمام الحمد لله وعارف نفسى، أنا مباعملش حاجة غلط، ولا باغلط فى حد “.

هو لا يفعل شيئٱ على الإطلاق؛ ربما لا يفعل الخطأ ولكنه لا يفعل الصواب، فهو لا يؤذى أطفاله ولكنه لا يشاركهم اللعب أبدٱ، لا يسرق ولكنه لا يتحرى الدقة الكافية فى أداء الأمانات، لا يؤذى أهل شريك حياته ولكنه لا يقوم بواجباته الاجتماعية نحوهم، لا يهين أحدٱ ولكنه لا يجبر خاطر أحد، لا يعطل أحدٱ ولكنه لا يساعد أحد، لا يزعج أحد ولكنه لا ينصت لأحد، لا يضر صغاره ولكنه لا يعلم شيئٱ عن هواياتهم أو يشاركهم إهتماماتهم أو يحرص على الحديث معهم والاستماع لهم ومشاركتهم الوجبات الأساسية والتنزه معهم.

لا يعرض خدمات على أحد، لا يقرأ أو يزيد إطلاعه، لا يكدّ فى العمل فمازال أمامه الكثير الذى لم ينجزه بعد، هو يعمل ولكن عمل خالِ من الجِد والإتقان.

لا يرتب خزانته أو حقيبته أو درج مكتبه، لا يكف عن الثرثرة عبر الهاتف وقضاء اليوم على السوشيال ميديا فى أتفه الأمور وأتفه الأحاديث، لا يعتنى بنظافته الشخصية على النحو الصحيح، لا يعطى جيرانه حقوقهم، فهو بالكاد يلقى عليهم السلام وأحيانٱ ما يلتفت عنهم وكأنه لم ينتبه لهم، لا يرى ضرورة للتبسم فى وجه الأطفال فى الشوارع، أو للتبسم فى وجه باعة المحال أو حتى فى وجوه زملاء العمل.

لا يطمئن أحدٱ، لا يدعم أحدٱ، حتى فى الدين يؤدى الفروض الخمسة ويصوم رمضان، حتى الحج يراه لمن استطاع وهو يرى نفسه على الدوام خالِ من القدرة على أداء الأعمال البسيطة المذكورة سلفٱ، فما بالك بالحج ومشقته المادية والجسدية !!

لا يرى ضرورة للصدقات، فهو إنسان مثالى وسيدخل الجنة ولن تنقذه الصدقات، فهو لا يحتاج إلى مساعدات فكياسته وطيبته كفيلة بدخوله الجنة، كذلك قيام الليل ليس فرضٱ، وقراءة القرءان ليست محددة بمقدار، إذٱ ليجعلها مرة كل ثلاث سنوات.

وقس على ذلك فى المعاملات كلها مع الناس ومع الله.

هل إتضح أن من لا يفعل الخطأ ومن لا يفعل الصواب قريبان ومتشابهان وأن الرضا بعدم فعل الخطأ دون فعل الصواب خطأ.

دائمٱ ما أجد الخشنون المتعجرفون هم الراضون المكتفون القانعون المتقبلون لحالهم، الشاعرون بالكياسة وطيب الخلق وحسن السلوك، ويعيشون فى هدوء نفسى وسلام داخلى.

بينما الطيبون الحقيقيون المهذبون اللطفاء؛ هم الساخطون على أنفسهم، الغاضبون من أفعالهم، الشاعرون دومٱ بالتقصير، المقرّون بأخطائهم، الشاعرون بأنهم يعيشون بستر الله لبلواهم، حتى ولو لم يفعلوا ما يستدعى جلد الذات الذى يمارسونه طوال الوقت، يحاسبون أنفسهم على الصغيرة قبل الكبيرة، ولا يجدون للهدوء النفسى والسلام الداخلى سبيلٱ.

إن من يعيش مدعيٱ أنه لا يفعل الخطأ، يفعل الكثير من الخطأ، فالتقصير فى كل شئ عين الخطأ، والرضا التام عن الذات خطأ، وعدم الاشتغال على النفس طوال الوقت خطأ، وعدم الإحساس بمن حوله خطأ، وعدم إعطاء الإنسانيات إهتمامٱ خطأ.

وقبل كل هذا فإن شعور شخص بأنه لا يفعل خطأ فى حد ذاته أكبر خطأ.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع