الأسرةمقالات نورا عبد الفتاح

لست مع هؤلاء ولا مع أولئك

أزعم أن نظرتى أو منهجى فى متابعة ما يدور حولنا من معركة ضارية بين الرجال والنساء، ليس أنثويٱ وكذلك ليس ذكوريٱ، وأعتبر نفسى مشاهدٱ للفريقين وخارج المشهد، ودليلى على صدق محاولتى للحيادية هو أننى عندما أستمع إلى شكوى رجل أشفق على كل الرجال وأضع نفسى مكان هذا الرجل، وعندما أستمع إلى شكوى إمرأة أشفق على كل النساء، وأضع نفسى مكان هذه السيدة.


أشاهدهم وهم يتراشقون التهم فيما يخص الفشل فى الحياة الزوجية أو العمل أو العلاقات الإجتماعية، وأخص بالذكر العلاقات الزوجية لأنها أكثر العلاقات إستهلاكٱ للوقت والطاقة.

الأزواج يقعون تحت ضغط ليس هينٱ من شعور بالمسئولية تجاه توفير كميات كبيرة من المال لأسرة يأكل أفرادها ويتعلم أطفالها ويلبسون ويستهلكون خدمات بفواتير رهيبة ويتنزهون ويسافرون ويشترون هدايا لأصدقائهم ويشتركون فى النوادى الرياضية والإجتماعية ويبتاعون الهواتف الذكية الحديثة، كما يدفع بعض الأزواج أقساطٱ لسيارة أو شقة جديدة أو أجهزة جديدة ….. إلى آخره.

فهو يذهب إلى عمله الذى فى الكثير من الأحيان يكون غير منضبط المواعيد أو فيه من السفر والتنقل ما يكد البدن ويضغط النفس، كما قد يقابل مواقف محرجة أو صعبة ( ومينفعش يتدلع ).

وفى الغالب لا يقابل بالشكر أو التقدير، فهو يقوم ب ( واجبه ) فلا فضل له فى شئ، وفى كثير من الأحيان فإنه يقابل بكلام ينم عن أن هذا الدخل لا يكفى إحتياجات هذه الأسرة وأنهم فى حاجة إلى المزيد.

وأضف ضغطٱ جديدٱ وكبيرٱ وهو شعوره الدائم بأنه مصدر للدخل فقط ولا شئ آخر، ففى كثير من الأحيان تجد أفراد الأسرة لا يظهرون له من مشاعر الحب والود ما يكفى، مما يعزز لديه الشعور بأنه بنكٱ إحتياطيٱ وقت الحاجة إلى المال ولا حاجة إلا لأمواله.

وهذا أمر ضاغط جدٱ وشعور قاسِ بحق.


وأضف على ذلك مسئوليته تجاه تربية أبنائه وتعليمهم الصلاة وحفظ القرءان وتوجيههم للسلوك القويم، حتى وإن كان عدد من يقوم بذلك من الرجال ليس كبيرٱ وأن معظمهم يقوم بالعمل وكفى، إلا أنه نوع من أنواع الضغط حتى ولو لم يؤده.

وأضف على ذلك واجبات إجتماعية حتى وإن كان بدوره لا يقوم بها، إلا أنها تمثل ضغطٱ لمجرد وجودها؛ واجبات نحو أهله وأهل زوجته وجيرانه ومعارفه، تستهلك ذهنه ووقته.

وفى دولنا العربية نضيف ضغطٱ جديدٱ من إنتاجنا يتمثل فى ضغط أصدقائه وأهله عليه لإثبات رجولته وسطوته وسيطرته على البيت من خلال تربية الزوجة ( من أول وجديد )، كيفما يرى هؤلاء الأصدقاء أو الأهل، وسواء إستجاب لهم الزوج أو لا، إلا أن هذا الأمر يشكل ضغطٱ نفسيٱ إضافيٱ عليه.

وأضف ضغوطٱ جديدة من صنع الزوجة فى خضم كل هذا، فإذا بزوجته تواجهه بتهمٱ تبدو له غير حقيقية وليس هذا مكانها ولا وقتها ( وإنه مش ناقص )، تُهَم تقول أنه مغرور ومسيطر، غير متحمل للمسئولية ويتركها تحمل مسئولية البيت من طلبات المنزل وتربية الأبناء وواجبات إجتماعية وصيانة أجهزة، وأنه يخرج للتنزه والسفر مع أصدقائه ولا يراعيها، وأنه عديم الرومانسية، وأنه خائن وكذاب وأنانى، ويئن من أى دور برد، وفظ وقاسى القلب …والمزيد والمزيد…

فيشعر الرجل بالظلم ويدخل فى خانة الضحية ولا يرى فى الحياة سوى أن الرجال ضحايا النساء، دون أن يفكر أن يرى الصورة كلها، إنما يراها فقط من جانبه هو، ولكنه لو فند ما تقوله الزوجة وسأل نفسه؛ هل أنا بالفعل أتخلى عن بعض مسئولياتى ؟
هل بالفعل كذبت مرة وإثنين وثلاثة وها أنا أكمل ؟
هل خنت هذه الزوجة مرة واثنين ومررت الأمر حتى نسيته كأنى لم أفعله ؟
هل أنا مغرور كما تقول وأتصرف فى البيت وكأننى الفرعون بالفعل ؟

(مجرد أسئلة) عن مدى صحة التهم التى وجهتها له الزوجة ويعطى نفسه فرصة للتفكير والإجابة.
ولكنه فى الغالب لن يدع ذلك يحدث إلا إذا خرج من خانة الضحية التى إستراح للدخول فيها.

والزوجة منذ أن تزوجت وحملت طفلها الأول لمدة تسعة أشهر، وهذا وقت طويل للإرتباط بشئ، تعمل حسابه ويشاركها نومها وصحوها وحركتها ونزهها وكل العقاقير والأدوية التى تمتنع عنها حتى وإن كانت حالتها الصحية تستدعى أدوية، وأضف على ذلك قلقها من أن يولد طفلها غير طبيعيٱ أو مشوهٱ أو به أى قصور، ثم تنتهى معاناة حملها بهرمونات هذا الحمل كلها، إلى ولادة ترى فيها الموت بعينها، ثم تذهب إلى رحلة رضاعة كل ساعتين، تصور معى أن هناك شخص ما يقوم بمهمة ما كل ساعتين فى أثناء الإستيقاظ والنوم والتواجد فى البيت أو خارجه.

وفى خضم ذلك فالناس يرونها فى رغد من العيش ويباركون لها على مولودها ويغفلون تمامٱ المعاناة التى تراها فى كل الإتجاهات.

ثم تدخل فى أفلام التربية والجرى وراء هذا الطفل منذ الاستيقاظ صباحٱ وحتى النوم ليلٱ، إما للإطعام أو الإستحمام أو تحفيظ القرءان الكريم أو كلمات عربية أو أجنبية وقبلها تعليمه المشى….وغيرها.

وإنتبه أنها بدورها لا تلقى أى تقدير من أى نوع، فهى تؤدِ دورها وواجبها فلا فضل لها فى شئ.

وما أن تبدأ فى فطام هذا الطفل حتى يتم التخطيط لإحضار طفل جديد.
ألا يستهلكها كل هذا ذهنيٱ وبدنيٱ ؟
ويجعلها تخرج بعد هذه التجارب إنسانٱ غير الذى دخلها ؟


هذا فيما يخص الزوجات اللاتى لا تعملن خارج المنزل فما بالك بمن تعمل خارجه ؟

وأضف على ذلك القيام بأعمال الصيانة والسباكة والنجارة …إلى آخره.
وأضف على ذلك أدائها للأعمال المنزلية من تنظيف وطهى وغسيل ……

وفى معظم دولنا العربية يُحمّل الزوجة أصدقائها أو أهلها ضغطٱ جديدٱ يتمثل فى محاولة جمع أكبر قدر ممكن من الأموال والذهب والياقوت والمرجان والألماظ من الزوج وإلا فهى ( عبيطة ) و ( خدت إيه من الجوازة ؟ ).

وفى خضم هذه الضغوط تجد زوجها يتهمها بتهمٱ تراها بالطبع محض إفتراء وعدم تقدير، يقول أنها مهملة له ولمظهرها، وزائدة فى الوزن وثرثارة وتافهة وطماعة وساذجة وسفيهة ولا تنمى عقلها ولا تتابع أخبار العالم ولا تطيعه حق الطاعة ولا تعمل على راحته ….

فتدخل بدورها نفس خانة الضحية التى دخلها الرجل وتقنع نفسها أن النساء ضحايا الرجال.

دون أن تفسح سبيلٱ لتسأل نفسها مجرد أسئلة؛ هل أنا بالفعل زائدة فى الوزن، هل أنا بالفعل تافهة وساذجة ولا أنمى عقلى ؟
هل أنا طماعة ؟

وتترك لنفسها الفرصة للبحث عن إجابات حقيقية تمثل واقعها.

فلو خرج كلٱ منهما من دور الضحية لرأى أهمية دور الآخر ولتذكر مزايا شريكه من خفة دم، طيبة، كرم، أنوثة أو شهامة، شعور بالأمان، إتزان فى إتخاذ القرارات، طموح، طعام لذيذ…. إلى آخر مزايا الطرفين، ولكنهما إستسهلا الشعور بالقهر ( وقفلوا الموضوع على كدا ).

ستظل قضية الرجل والمرأة أبد الدهر، إلا إذا طبقنا حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى الحياة الزوجية وفى كل العلاقات”:والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه “.

لو نظرت صديقى القارئ نظرة شاملة للمعسكرين، نظرة مجردة تمامٱ من أى أهواء لأشفقت على كليهما، كما أشفق أنا فأنا أزعم أن نظرتى حيادية وموضوعية قدر الإمكان.
وأجد نفسى فيما يخص مأساة الرجال والنساء؛ لست مع هؤلاء ولا مع أولئك.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع