مقالات نورا عبد الفتاح

إيه أخبار نضجك ؟



مع الاختلاف الدائم حول معنى كلمة نضج، أرى أنه فى الغالب يظهر واضحا عندما نجد ما كنا نعانيه منذ سنوات لم نعد نعانيه اليوم أو على الأقل ليس بنفس الدرجة، وأن ما كان يزعجنا فى السابق، لم يعد يزعجنا بنفس القدر، وأن ما كان يمثل لنا شيئا خطيرا، أصبح أقل خطورة وأقل أهمية، وأن ما كان سرا عظيما فى الماضى أصبح عاديا بل ومضحكٱ.

ولكننى التفت مؤخرا إلى أن درجة النضج التى نصل إليها لا تثبت بالضرورة، فأنا مثلٱ أحيانٱ ما أشعر أننى بلغت من الرصانة وإختمار الأفكار وتبلور المعانى إلى نقطة تأخذنى إلى قمة الحكمة والحصافة.
ثم وفى لحظة ما، أجد ما ظننته نضجا وحكمة تراجع بوضوح وبشكل ملحوظ.

فالقيود التى تخلصت منها والأمور التى ما كانت تعنينى، أصبحت تقيدنى وتعنينى وبشكل كبير، فأستفيق وأدرب نفسى على استرجاع نقطة العقل التى وصلت إليها، وبمحاولات متكررة، أعود إليها وأستقر بها أو أعلو بها قليلا، ثم بعد شهور أو أعوام أجد نفسى قد عدت إلى الخلف ولو قليلا إلى النقطة الأضعف… وهكذا.

كذلك بعض الذين كانت آرائهم وتعليقاتهم لا تؤثر فى، أو فى تصالحى مع نفسى، أصبحت آرائهم تؤثر فى وفى ثقتى فى نفسى أو على الأقل تعكر مزاجى.

أو مثلٱ بعد أن كنت قد أقنعت نفسى بأن العمر لحظة وأن الدنيا ليست إلا إختبار طويل، وأنه لا خيار لنا سوى اللهاث من أجل جمع أكبر عدد من الحسنات ومحو أكبر عدد من السيئات، فأركز فى صلاتى وقراءة القرءان وأتوقف عن أى نميمة، حتى أجد نفسى بعد فترة وقد تراجعت درجة خشوعى وإتقانى لصلواتى وقلت قراءتى للقرءان، وعدت أتحدث بالنميمة والغيبة والحكايات، وأستمع إليها.

والأمثلة على هذا النحو عدة.

وهذا ما ألاحظه فى كل من أعرف.

إتضح لى أن النضج والرشاد ليسا مضمونان وأن السداد والهداية ليسا محفوظان إلى الأبد.

بل إنهم يزيدون وينقصون، يتقدمون ويتراجعون ولا تزال المثابرة مستمرة.

.أود فى الختام أن أؤكد على أن هذه القاعدة لا يمكن تعميمها على كل بنى آدم، فهناك بعض الناس ترتفع درجة النضج لديهم دون تراجع مطلقٱ ينطلقون إلى الحكمة والحصافة كالصاروخ، وهناك آخرون لا يكفون عن التراجع فقط دون تحقيق أى تقدم فى هذا الشأن وكأنهم ينطلقون إلى الغباء والحماقة كالصاروخ أيضٱ.

وهناك من يتأرجحون بين هذا وذاك ويثابرون.
.
كيف حال نضجك ؟
هل تشعر بتراجعه وتقدمه ؟
أم تصل إلى القمة ثم تبدأ بالسقوط ؟
هل تنقذ نفسك أثناء هذا السقوط ؟ فتعود إلى قمتك ؟ أم تتركها تصل إلى الهاوية ؟

هل نضجك يرتفع فقط، أم يرتفع ويهبط مثلى ؟

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع