اليمين الغموس
حثّ الإسلام على حفظ الأَيمان وعدم نقضها، وألّا يحلف بشيءٍ إلّا أن يكون صادقاً، وقد رتَّبت الشريعة الإسلامية على من أقسم أمور وأحكام تختلف بحسب اختلاف صيغة اليمين والمراد منه وكيفية إنشائه.
فاليمين لَهُ أثر بالغ الأهمية في التقاضي بين الناس وإثبات الحقوق أو إبطالها، ومن أنواع اليمين التي فصَّل الإسلام فيها هو اليمين الغموس، فما هو اليمين الغموس؟ وما سبب تسميتها بذلك؟ وما هو حكمها وتكييفها؟ وما العقوبة المترتبة على من يحلف بها إن كان كاذباً؟
اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة التي يقصد بها صاحبها الكذب ويحلف عليها وهو يعلم حقيقة كذبه، وهي التي تغمس صاحبها في الإثم، وتغمسه في النار أيضاً، وهي اليمين الكاذبة التي يأخذ بها الإنسان حقّ غيره من الناس بغير حق؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أعجلَ الطاعةِ ثوابًا صلةُ الرَّحِمِ وإنَّ أهلَ البيتِ لَيكونون فُجَّارًا فتنموا أموالُهم ويكثُرُ عددُهم إذا وصلُوا أرحامَهم وإنَّ أعجلَ المعصيةِ عُقوبةً البغيُ، والخيانةُ، واليمينُ الغموسُ يُذهِبُ المالَ ويُثقلُ في الرَّحِمِ ويذرُ الدِّيارَ بَلاقِعَ).
ولمّا روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: (يا رسولَ اللهِ، ما الكبائرُ؟ قال: الإشراكُ باللهِ، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم عقوقُ الوالدَينِ، قال: ثم ماذا؟ قال: اليمينُ الغموسُ، قلتُ: وما اليمينُ الغموسُ؟ قال: الذي يقتطعُ مالَ امرئٍ مسلمٍ، هو فيها كاذبٌ).
كأن يحلف الشخص على أمرٍ كاذبٍ ليأخذ به مال أخيه بغير وجه حق أو يحلف أنّ شخصاً سبّه ويكون كاذباً، أو يحلف أنّه لم يفعل شيئاً لينجو من العقوبة أو يهرب من الضمان ويكون قد فعله، أو يحلف أنّه فعل وهو لم يفعل؛ شريطة أن يكون حلفه قائماً على علمه بكذب يمينه.
سبب تسمية اليمين الغموس بذلك سُمّيت اليمين الغموس بذلك لأنّها تغمس صاحبها في الإثم والعقوبة، كما أنّها تغمسه في النار يوم القيامة؛ وذلك لَعِظم الجريمة التي وقع فيها من يحلف بالله كاذباً، ولأكله مال الناس بالباطل، كما أنّ صاحبها يتجرّأ على الله فيحلف باسمه وهو كاذب، فيقرن اسم الله بشيءٍ فيه معصيةٌ، وذلك من أعظم الذنوب وأشدّها عقوبةً.
وتُعتبر اليمين الغموس من كبائر الذنوب التي لا تجب فيها الكفّارة عند جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة؛ وذلك لعِظَم الذنب فيها؛ إذ يقرن الحالف اسم الله في معصيته فيحلف به كذباً، وبالتالي فإنّ كفارتها تكون بالتوبة والاستغفار (مع مراعاة شروط التوبة)، وإعادة الحقوق لأصحابها إن وُجد، وقد اتّفق الفقهاء الأربعة على خطورة اليمين الغموس وعِظَم الذنب فيها، وأنّ لا شيء من الأعمال الصالحة يُكفّرها سوى التوبة والاستغفار.
وقد خالف بذلك الإمام الشافعي ووافقه ابن تيمية والحنابلة في رواية؛ حيثُ ذهب أصحاب هذا الفريق إلى أنّه يجب في اليمين الغموس الكفّارة، وأنّها تجوز فيه مع التوبة إلى الله عز وجل، ومن دون العودة إلى الحلف كاذباً.