الصلح بين المتخاصمين
الصلح بين الناس عبادة عظيمة يجب أن يتحراها كل مسلم، ولإصلاح ذات البين أصول وقواعد يكون أولها باختيار الوقت المناسب لذلك، فمن الأفضل ألّا ينتظر المًصلح حتى تخف حدة الخلاف بين الأطراف وتبرد القضية، ويذهب الغضب عنهم، ثمَّ يذهب ليصلح بينهم.
ثمّ إنّ عليه أن يكون لطيف المقالة، جميل العبارة، فيذكر محاسن ومحامد كل طرف عند الطرف الآخر، كما يجوز له أن يتوسع بالكلام، وله أن يكذب إن اضطر إلى ذلك.
ثم يحذّر أطراف الخصام ويذكرهم بعواقب فساد ذات البين، ويجب ألّا يتعجل في الحكم، ويتمّهل في ذلك، فالعجلة قد تفضي إلى الإفساد بدل الإصلاح.
ومن آداب الصلح المهمة أن يخلص المصلح نيتة لله، فلا يقصد أو يرجو بصلحه شيئًا من مال أو جاه أو سمعة أو رياء، وعليه أيضًا أن يحرص على العدل بين المتخاصمين، وأن يحذر من ظلم أي من الطرفين، وأن يحكم بينهم بحيادية، فإن لم يكن له ذلك، يستشير بذلك العلماء.
أما ما يجب مراعاته في جلسة الصلح فعلى الشخص المصلح وضع مجموعة من الأمور في عين اعتباره عند إدارة جلسة الصلح وهي:
تحديد أساسيات التصالح ويُعدّ تحديد النقاط الأساسيّة التي يتفق عليها الأطراف المتخاصمة بشكل واضح، كأرضية مشتركة تساعد على الوصول إلى تسوية، وتحُدّ من حدوث أيّ نزاعات مستقبلية فيما بينهم، حيث سيفهم كلّ شخص أنّ تقديم بعض التنازلات يساعد على الوصول إلى حلّ للخصام مع الآخر.
توضيح أهمية الصلح فيجب أن يوضّح المُصلِح مدى أهمية تأثير العلاقات الاجتماعيّة على الشخص، حيث إنّ الأسرة، والأصدقاء، وأيّ علاقات اجتماعيّة أخرى تعدّ مهمة بشكل كبير، ولا يجب الخوض في نزاعات وخلافات تدمّر هذه العلاقات، أو قد تؤذي الإنسان نفسياً وصحياً لما يترتّب عليها من قلق وتفكير في المشاكل والخلافات.
الموضوعية فبعد تحديد أسس الاتّفاق يجب توضيح مدى أهمية تحقيق حلّ مناسب للطرفين، فمن الطبيعيّ أن يتمسّك الأشخاص بمعتقداتهم وقيمهم أثناء المفاوضات، لكن هذا سيؤدي إلى عناد الأطراف أكثر، لذا على من يقوم بالإصلاح التأكّد من أنّ كلا الطرفين لديه وجهة نظر متوازنة، وأن يحرص على أن لا يتحيّز إلى أيّ منهما؛ ليطمئنا بأنّ القرار سيكون في صالح كلاهما.
الابتعاد عن الأنانية فيجب أن يبتعد من يصلح بين الأشخاص عن التفكير في ذاته أو بشكل عاطفيّ، وأن يحرص على أن يصغي إلى عقله بشكل كامل حتى لا يتحيّز لأحد.
لذلك من الضروريّ أن يتحدّث بحكمة، ويتعامل مع الوقائع، والحقائق لتوجيه الأطراف المتخاصمين، بالإضافة إلى أنّ على من يصلح أن ينتبه لعدم التناقض حتى لا يشتّت غيره أو نفسه.
الاستماع للآخرين خلال حلّ أيّ مشكلة فمن الضروري الاستماع إلى أطراف الخلاف، وإتاحة الفرصة للجميع لتوضيح وجهة نظرهم بشكل واضح، وبالتالي سيتفهم المصلِح جميع وجهات النظر، والأهم من ذلك أنّ المتخاصمين سيستمعون إلى بعضهم البعض بطريقة واضحة ومباشرة.
التعاطف مع الجميع فينبغي على من يقوم بالإصلاح أن يتعاطف مع كلا الطرفين للاقتراب منهم وفهم وجهة نظرهم، وبعد ذلك يمكنه تكوين وجهة نظرهِ الخاصة وإقناعهم بها، وأخيراً الوصول إلى حلّ يرضي جميع الاطراف.
وكذلك استخدام الكلمات بحرص فإنّ استخدام عبارات مؤثّرة وواضحة لها وقع إيجابيّ في نفس الإنسان، ولها أثر كبير في حلّ الخصام بين الأشخاص، والوصول لأهداف فردية أو مشتركة، فعلى من يُصلِح بين الأفراد أن يستخدم عبارات إيجابيّة لجعل الأطراف يشعرون بالاطمئنان.
كقول: (نعم، أنا أتفهّم وجهة نظرك)، أو (أفهم ما تقصده تماماً)، بينما عليه تجنّب استخدام كلمة لا لأحدهما، أو إظهار عدم الاتفاق مع ما يقول.
التصرف بذكاء حتى لو كانت المفاوضات تسير بشكل هادئ وسَلِس، فعلى من يصلح بين الأشخاص أن يتوقّع أيّ نقاش حاد، أو إساءة لفظية، أو حتى عدوان جسديّ بين المتخاصمين، لذا من المهم القدرة على الحفاظ على هدوء الأشخاص، والسيطرة عليهم بشكل ذكيّ؛ لتجنّب أيّ نزاع، أو إساءة فيما بينهما.
تقدير موقف الطرف الآخر :
من الصعب أن يفهم الإنسان أحداثاً، أو مشاعر لم يمرّ بما يشبهها سابقاً، لكن على من يُصلِح بين الأشخاص أن يحاول دائماً أن يتخيل نفسه مكان الأشخاص الآخرين، وبذلك يستطيع أن يتفاهم معهم بشكل أفضل؛ لأنّه قد أصبح على معرفة بما قد واجهه الخصمان.
طرح الأسئلة المناسبة عند الحيرة في أمر ما خلال النقاش مع الأطراف المتخاصمة، فيجب طرح الأسئلة بشكل مناسب وواضح، مع الحرص على طريقة طرح السؤال بصيغة لطيفة، وغير متكلّفة، أو مزعجة للآخر حتى يتم الإجابة على التساؤلات بصدرٍ رحب.
أقوال تستخدم أثناء جلسة الصلح الإقناع هو وسيلة وصول المصلح إلى عقول المتخاصمين وقلوبهم، وفيما يلي بعض الأقوال التي قد تساعد في ذلك:
تذكير المتخاصمين بأهمية صلة الرحم وعلاقتها برضا الله وسخظه، والاستعانة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الرَّحمُ شَجْنةٌ منَ الرَّحمنِ فمن وصلَها وصلَهُ اللَّهُ ومن قطعَها قطعَهُ اللَّهُ)، (رواه الألباني) تذكيرهما بارتباط مغفرة الله تعالى بصلحهما، والاستشهاد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا). (رواه مسلم).
إبطال يمين من حلف منهما بقطع أخيه، ودعوته لتكفير يمينه استشهاداً بقوله تعالى:
(وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (البقرة:224).
وفوائد الصلْح بين المتخاصمين نذكر منها:
حلول المحبة والألفة مكان القطيعة والكراهية. غرس الفضيلة في نفوس الناس، ومنها العفو والمغفرة.
كسب الحسنات، ورفع الدرجات. استقامة حياة المجتمع، والتفرغ للعمل المثمر. طمأنية القلوب وسعادتها، وحصول الراحة للنفوس من الغل والشحناء والحقد.