معارف عامة

من هو المثقف ؟

البعض يضع حملة الشهادات العلمية والظهور الإعلامي والفني ضمن دائرة من يسميهم “مثقفين”، وبعضهم يضع حدوداً دنياً للمثقف، مثل: الوعي والفهم والتفكير الصحيح وسعة الأفق، بغض النظر عن مؤهلاته العلمية ومكانته الاجتماعية.

وهناك من لا يراه مثقفاً حتى لو تحلى بهذه الحدود الدنيا إذا لم تنعكس هذه المؤهلات على سلوكه الشخصي وحركته في المجتمع.

ومنهم من لا يعطي لقب “مثقف” إلا لمن يقوم بدوره الرسالي في قومه؛ فليس مثقفاً من لا يعرف مشكلات بيئته ومجتمعه ويقدم لها حلولاً، ويشعر بالمسؤولية تجاه النهوض بمجتمعه والاستعداد للتضحية في سبيل ذلك.

إذن نحن أمام تعاريف للمثقف تتسع لتشمل كثيراً من المشتغلين بالفكر النابع من فهم ووعي ووضوح رؤية وسعة أُفق، وصولاً إلى دور الرسالة التي تشبه دور النبي في قومه .

نحاول أن نعود إلى أصل التسمية، ليس في جذرها اللغوي؛ بل من البيئة التي نشأ فيها اللفظ؛ حيث إنه من الألفاظ المستحدثة تعريباً لحالة نشأت في الغرب.

وننقل هنا ما ذكره المفكر المغربي د. محمد عابد الجابري في كتابه “المثقفون في الحضارة العربية” عن المرجعية التاريخية للفظ “المثقفين”، (التي ظهرت لأول مرة في بيان نشرته جريدة “لورو” الفرنسية عام 1898 بعنوان “بيان المثقفين”، وكان موقعاً من مجموعة من المثقفين الفرنسيين من أمثال “إميل زولا”، و”أناتول فرانس” وغيرهما، يطالبون فيه بإعادة محاكمة ضابط فرنسي من أصل يهودي تمت محاكمته وإدانته عام 1894 بالتجسس لصالح ألمانيا، وأثبتت عائلته زيف الوثائق التي أدين بسببها، واتجهوا إلى الرأي العام الفرنسي لدعم قضيتهم، فتبناها هؤلاء المثقفون.

بعد صدور البيان انقسم المجتمع الفرنسي إلى معسكرين: مؤيد (التجمع الجمهوري)، ومعارض (الوطنيون)، وبعد صراع تم إعادة محاكمة الضابط وتبرئته).

إذن نحن هنا أمام تعريف المثقف، نقلاً عن بيئته الأصلية بأنه “ذلك الشخص الذي لا يكتفي بممارسة النشاط الفكري النابع من الوعي والفهم وسعة الأفق فقط، بل هو صاحب رسالة يبحث عن كشف الحقيقة، ويكون شجاعاً في الدفاع عنها”.

أو بمعني أكثر دقة: المثقف الحقيقي هو من تتحول عنده الأفكار إلى نماذج ومُثُل ومبادئ لا تفرق بين عقيدة وعقيدة، أو لون ولون، أو جنس وجنس، أو توجه سياسي وآخر؛ بمعنى أن المثقف هو ضمير المجتمع، وهو المعبر عن آلامه وآماله، وحامل مشعل النور في سبيل البلوغ لنظام سياسي واجتماعي أكثر إنسانية وعقلانية.

وبهذه الإحاطة بمعنى المثقف سيتساقط كثير ممن ينتحلون لأنفسهم صفة مثقف، أو ممن ينحلهم الناس تلك الصفة لمجرد شهادة علمية مرموقة، أو تميز فني أو شهرة إعلامية، وقد تنطبق على كثير ممن يبدون بسطاء وهم يحملون في أعماق بساطتهم صورة المثقف الحقيقي.




وبالنسبة للمثقف، هل يمكن أن نطلق على شخص يقرأ الكثير والكثير من الكتب على أنه شخص مثقف حتى لو كان جالسًا في غرفته فقط ولا يستخدم تلك المعارف؟ وهل تصح كل المعارف والأفكار للاستخدام؟

نقول أيضًا “ثقافة المجتمع” فما هي ثقافة المجتمع؟ هل هي خليط من ثقافات الأشخاص المتواجدين به الآن؟ أم أنها عادات وتقاليد قديمة متوارثة؟ أم أنها أيضًا مزيج منهم؟

.

وبمناسبة الثقافة، ما الفرق بينها وبين الحكمة؟ والفرق بين الشخص الحكيم والشخص المثقف؟


الثقافة هي مجموعة من الأفكار والمعارف النافعة التي يمكن توجيهها لخدمة البشرية، وأن الشخص المثقف هو الذي يضع يده على تلك الأفكار ويعمل على إفادة البشر بها!




الثقافة هي منظومة إنسانية حاملة للأفكار وجامعة لعناصر مادية (مثل اللوحات الفنية وأطباق الخزف وغيرها) وغير مادية (مثل الأهازيج والأمثال والشعر إلخ) تشمل تاريخ (بما فيه التراث) وعادات وأعراف وأدبيات وتقاليد شعب أو دين أو أيديولوجية أو عِرق أو طائفة أو مجموعة من المهنيين أو أصحاب الحرف أو مختصي مجال معين.


المثقف هو الفرد الإنساني الذي يتمتع بإطلاع أكبر من المعتاد على الثقافة، كما ورد في تعريفها أعلاه؛ بحيث يجعله هذا الإطلاع فوق مستوى المعرفة العامة لمواطنيه ونظرائه ويكسبه مكانة ريادية بالإطلاع على آخر مستجدات المنظومة الفكرية المسماة ثقافة ومخرجاتها مع أساس علمي راسخ بجذورها التاريخية.

على سبيل المثال لا يعد من عرف اسم نجيب محفوظ وقرأ له رواية أو روايتين مثقفاً نظرا لأن هذه المعايير أصبحت مستوى عاماً، بينما الذي فعل ذلك إضافة إلى معرفته أنه تم اكتشاف قصص غير منشورة له مؤخرا ونشرت ويعرف أن بعضها نشر من مخطوط بينما الآخر من مجلات وجرائد نفدت من زمن يعد مثقفا لأنه يحقق الشرط الذي وصفناه بقولنا “مكانة ريادية بالإطلاع على آخر مستجدات المنظومة الفكرية المسماة ثقافة ومخرجاتها”.



والمثقف يقع في مكان ما بين صانع الثقافة والمتلقي العادي.



ثقافة المجتمع هي منظومة إنسانية حاملة للأفكار وجامعة لعناصر مادية (مثل اللوحات الفنية وأطباق الخزف وغيرها) وغير مادية (مثل الأهازيج والأمثال والشعر إلخ) تشمل تاريخ (بما فيه التراث) وعادات وأعراف وأدبيات وتقاليد مجتمع ما، مثل أمثاله الشعبية وتراثه الشفوي وطريقة اللبس والملابس التقليدية والأعراف والوجبات والتقاليد المتبعة إلخ.

أما الحكمة فهى :

 بصيرة معرفية (بُعد نظر فكري) ناجمة عن استشراف المآلات انطلاقاً من دراسة وتفحص وتمحيص البدايات؛ دون إغفال متطلبات الواقع الراهن (بعبارة أكثر بساطة: حِس إدارة شؤون كفء ينتهج إستراتيجية طويلة الأجل إنطلاقا من الإستفادة من دروس الماضي دون إغفال المتطلبات الراهنة).



الحكيم هو ممارس الحكمة .

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع