صنوف الجهل
كتب أسامة اليمانى فى صحيفة عكاظ يقول :
الجهل لغة خلاف العلم أو خفاء أمرٍ عن صاحبه، وهو عند أهل الكلام اعتقاد الشيء خلاف ما هو.
وقد جرى في ثقافتنا تقسيم الجهل إلى ثلاثة أقسام؛ جهل بسيط، وجهل كامل، وجهل مركب؛ الجهل البسيط، هو فهم المسألة بدون إحاطة كاملة، والجهل الكامل، هو عدم الإلمام والعلم بالمسألة من جميع جوانبها، وأخيراً الجهل المركب، فهو عدم علم الجاهل بأنه لايعلم من المسألة شيئا.
وهذه التقسيمات المتعارف عليها ليست دقيقة ولا منضبطة في تعريفها بالجهل؛ حيث إن الجهل له وجوه كثيرة مختلفة، فقد يكون الجهل متعلقا بالشيء، وقد يكون متعلقا بالشخص أو متعلقا بالوقت الذي يحدث فيه الشيء، وهكذا فالمجهول قد يكون مرتبطاً بجوهر وذات الشيء أو بوقته وزمنه ومكانه أو بمن يقع منه الجهل أو من يقع عليه الجهل.
بناءً على ما تقدم يتضح أن تناول الجهل وتعريفه من خلال ما جرى عليه العمل يعتبر تجهيلاً للجهل وتكريساً له.
ولهذا فقد ساد في مجتمعاتنا الجهل متعدد الأوجه، وهو جهل خطير يُكرس التخلف وينشره على كافة الاتجاهات والأبعاد والأماكن والأوقات، وتمارسه المؤسسات الاجتماعية من خلال قناعات واعتقادات مضللة، تجعلها تظن أنها تحمي المجتمع أو المعتقدات والمفاهيم والأفكار.
الخطير أن هذا الجهل استطاع أن يخلق مؤسسات تحميه وتدافع عنه، وللأسف الشديد هذه الحماية مثل المضادات الحيوية لا يصح أن تأخذها طول الوقت، لأنها تضعف المناعة وتدمرها على المدى الطويل.
هذا الجهل المركب متعدد الأوجه هو الأخطر وقعاً وألماً وضرراً؛ لأنه يتكاثر في كل اتجاه وعلى كل الأبعاد بشكل تلقائي، والمجتمع غير مدرك لهذا النمو والتكاثر الذي تمارسه مؤسسات اجتماعية تمنع من ينتقدها أو يخالفها الرأي أو يُظهر عوار ما تقول به أو يحذر من ما تعمل على تكريسه.
والحماية من العلم ومن التعلم والتفكير الإبداعي هو أحد أهم صور الجهل متعدد الأوجه، وللأسف هذه الحماية التي تُمارس باسم الفضيلة والعادات والتقاليد تُعتبر تربة خصبة لنمو وتكاثر الجهل متعدد الأوجه.
وهو جهل يعتقد صاحبه أنه يُحسن به صنعاً، وأنه يملك الحقيقة، جهل يُكرس تعليمه ويُدرس ويُصرف عليه المال والوقت والجهد، وتؤلف له المؤلفات التي تُشيد به وتدعو للمحافظة عليه، وهو جهل مركب متعدد الأوجه يتمتع بالحماية والحصانة والجاه والقوة.
هذا الجهل المركب متعدد الأوجه، هو الذي يفصلنا عن العالم المتقدم، ويجعلنا بعيدين عنه بآلاف السنين، لأنه دوامة تستنزف طاقتنا وحياتنا اليومية، وتجذبنا للقاع.
وبوجوده ونشره وتكريس سلطته، لن ننجح في اللحاق بركب الحياة والحضارة والمستقبل، لأن هذا الركب قوته الدافعة والموجهة هي العلم. نعم ركب الحياة والمستقبل هو العلم وغير ذلك تكريس لدوامة الجهل المركب متعدد الأوجه.