ما هى شعرة مُعاوية
يقال إن أعرابياً سأل معاوية بن أبى سفيان: كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلى؟، فقال: «إنّى لا أضع سيفى حيث يكفينى سوطى ولا أضع سوطى حيث يكفينى لسانى، ولو أن بينى وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها».. هذه المقولة مع كونها نبراساً فى أحكام السياسة فهى تدخل فى كل سياسة حتى فى سياسة الإنسان مع نفسه.
فلو طبق الإنسان هذه القاعدة لصار من أعقل الناس، كيف لا وهو يعطى كل شىء حجمه ويتلافى عما لا يستحق النظر!
حيث إنه من أكثر الأمور التى يضرب بها المثل فى شأن التعامل مع الناس ومداراتهم وأخذهم بالحكمة والحنكة هو ما يسمى بـ «شعرة معاوية».
فيقول المرء متمثلاً بها: «إجعل بينك وبينهم شعرة معاوية»، أى: تصرف معهم بالكياسة وبُعد النظر حتى تحتويهم فينقادوا لك، و«شعرة معاوية» هذه ترسّخ لمبدأ عظيم وأصل وطيد من أصول الحنكة السياسية، وقد أرسى قواعدها معاوية بن أبى سفيان (رضى الله عنه)، وكانت إحدى مظاهر وُفور عقله وغزارة فكره وشدة دهائه الذى عُرف به بين العرب، حتى عدّه الناس من أدهى دهاة العرب عبر التاريخ.
إن التعامل بين الناس، يجب أن يكون مبنياً على الأخلاق، والمودة، فعندما يكون التعامل مبنياً على أسلوب حسن، وطريقة لبقة فى الكلام، يسود عندها الاحترام المتبادل بين الناس.
وبالطبع للناس أمزجة مختلفة، فمنهم الهادئ، والعصبى، والودود، والعنيد، وغير ذلك، وعندما يقدر كل شخص، ويستوعب الشخص الآخر قدر المستطاع، يؤدى ذلك إلى تجنب حدوث المشاحنات، والمشكلات بين الناس، وبالطبع عند التقيد بالأخلاق التى يدعو إليها الدين، يشكل ذلك الصورة الواضحة عند الأسلوب السليم في التعامل مع الآخرين.
يمكن أن نطلق على أسلوب التعامل مع الآخرين، مسمى (فن)، فهو طريقة تأقلم الشخص مع الأشخاص الذين يتعامل، أو سيتعامل معهم، فى الحى، أو العمل، أو السوق، أو أى مكان يتواجد فيه، وتقدير ظروف الناس، والتعامل معهم وفق حدود معينة، يساعد على جعل الشخص فناناً فى التعامل مع الآخرين، وتقبلهم، واستيعابهم.
لقد استطاع معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه أن يقود سفينة الأمة إلى بر الأمان بشعرته التى قال فيها: بينى وبين الناس شعرة لا تنقطع، إذا شدوا أرخيت، وإذا أرخوا شددت.
فهل نستطيع نحن أن نسير فى المجتمع بنجاح بمثل هذا الشعرة!