الروح وعلومهاالصحةعلم نفس

كيف تزيد وتقل المناعة النفسية

على جدران إحدى المصحات النفسية كُتبت عبارة: “كُنّا بخير، لولا الآخرين”، وكأنّ هذه العبارة تختزل الكثير من أسباب الانهيارات النفسية التي يمرّ بها عددٌ لا بأس به من الناس، نتيجة هشاشتهم النفسية وعدم قدرتهم على مجاراة الحياة والناس، على الرغم من أنّ الأصل في المعاناة النفسية التي يمرّ بها الأشخاص قد لا تكون ناتجة عن عوامل خارجية، وإنما عن طريقة معالجتهم للأفكار وطريقة تقبلهم لذاتهم، أو كنتيجة لعوامل نفسية داخلية وظروف معقدة يمرّ بها الشخص نفسه.

ولهذا فإنّ أفضل شيءٍ يقدمه الشخص لنفسه هو أن يقوّي مناعته النفسية ويزيد من صلابته وقدرته على التكيّف والتأقلم.

فالصحة النفسية لا تقلّ أهميةً عن صحة الجسد، بل إنّ صحة الجسد تأتي امتدادًا للصحة والمناعة النفسية، لأنّ ما يمرّ به الفرد من تقلبّاتٍ وضغوطات نفسية يؤثر بشكلٍ مباشر على صحته العامة، وقد تُسبب كثرة الضغوطات النفسية الكثير من الأمراض الجسدية.

وقد أُثبتت الدراسات الصحية النفسية وجود ارتباط وثيق بين المناعة النفسية والمناعة الجسدية، ومنها ما ذُكر في مقالة علمية منشورة في المجلة الباكستانية للعلوم الطبية عام 2016 بعنوان “تأثير التدخل النفسي على الألم والوظائف المناعية للمرضى” الذي بيّن دور المناعة النفسية وتأثيرها الإيجابي على جهاز المناعة لدى العديد من المرضى.

أخذت الصحة النفسية والمناعة النفسية مساحة واسعة من الدراسات والبحوث، خصوصًا أنّها تُشكّل أهمية عظمى بالنسبة لصحة الأفراد من مختلف الأعمار.

ففي دراسة  دولية أجرتها منظمة الصحة العالمية، تبيّن أنّ ما يقارب ثلث الاستشارات الطبيّة التي يتوجه بها الأشخاص للأطباء تتعلّق بالصحة النفسية، وخصوصًا فيما يتعلّق بالقلق والاكتئاب الكامل والاضطرابات الجسدية الناتجة عن الأعراض النفسية.

ويُقدّر الأطباء الأوروبيون أن ما يقارب من 30% من المرضى الذين يُراجعونهم يُعانون من اضطراب نفسي بدرجة متوسطة، وقد تكون هذه النسبة أعلى بحيث تصل إلى 60%.

وبحسب الإصدار الثالث من الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسية “ ظهر ارتفاع ملحوظ في الأعراض التي تظهر على الأشخاص على شكل أعراض نفسية مثل: اضطراب النوم والقلق والشعور بالتعاسة والضيق، وما إلى ذلك من أعراض مرتبطة بالهشاشة النفسية الناتجة عن قلة المناعة النفسية. مما يعني وجوب الالتفات إلى الأمر بصفته بالغ الأهمية، والحث على تقوية المناعة النفسية ونشر الوعي حولها.

العوامل المؤثرة على المناعة النفسية

العيش في بيئة عائلية غير مستقرة.

مواجهة العزل الاجتماعي، والمعاناة من الوحدة، وعدم وجود الأصدقاء.

الإدمان على التبغ والكحول والمواد المخدرة.

مواجهة الفقر والتشرد، والمرور بمشاكل مالية أو فقدان العمل.

التعرّض لصدمات عاطفية.

العوامل البيولوجية والجينية.

طرق تقوية المناعة النفسية
إنّ الوعي الذاتي الكامن في أعماق الشخص تجاه الأحداث، هو الذي يُساهم في زيادة مناعته النفسية أو نقصانها، وكلما ازداد وعي الشخص كلما زادت قدرته على الاستمتاع بحياته وحماية نفسه من أي تقلبات نفسية مؤذية.

يكون هذا بمعرفة الحاجات الخاصة التي يُريد أن يحققها الشخص، والعمل عليها بطريقة متوازنة، مع تقبل جميع النتائج بصدرٍ رحب دون التأثير على النفسية بشكلٍ سلبي ومبالغ فيه؛ ومعرفة العلامات التي تدلّ على التوتر، وتقليلها قبل أن تزداد بشكلٍ كبير، وتنمية ثقافة الشخص بنفسه، ويكون هذا بزيادة اطلاعه على كلّ شيءٍ حوله بالقدر الذي يُساعده على فهم الأشياء وتقبلها أو تجاوزها.

وضع حدود معيّنة في التعامل مع الآخرين: يقول جوزيف مارفي في كتابه “قوة العقل الباطن” “إن ما يقوله أو يفعله الشخص الآخر لا يمكن حقًا أن يضايقك إلا إذا سمحت له بذلك!”

لهذا يجب أن يستخدم الشخص أسلوبًا ذكيًا في التعامل مع الآخرين. خصوصًا أنّ العديد من الأشخاص يملكون طاقة سلبية تُؤثر على كلّ من يتعامل معهم، فينقلون قلقهم وتوترهم وخوفهم إلى غيرهم. لهذا فمن الضروري وضع حد معيّن في التعامل مع هؤلاء الأشخاص وغيرهم من السلبيين أو “ممتصي الطاقة”، واقتصار التعامل معهم بشكلٍ رسمي أو لوقت قصير.

التقليل من القلق والتوتر: يقول المثل السويدي: “القلق يعطي للشيء الصغير ظل كبير”. قد لا يستطيع الشخص أحيانًا التحكّم في توتره وقلقه في بعض المواقف، لكن بإمكانه التعود على أن يكون أقل تأثرًا بالأحداث، ومحاولة البحث عن حلول لأي مشكلة طارئة بدلًا من التوتر الذي يُضعف المناعة النفسية، ويُضخّم الأشياء التي هي في الأصل صغيرة، فيُسبب هذا هشاشة نفسية.

تعزيز التفكير الإيجابي: يُساعد التفكير الإيجابي في الحفاظ على مستوى جيّد من المناعة النفسية، ويتمثل هذا بالتفاؤل والشعور العميق بالرضا، ويمكن للإنسان أن يمنح نفسه مهارة التفكير الإيجابي بمجالسة الأشخاص الإيجابيين والتعامل المرن مع تقلبات الحياة وظروفها، والبحث عن حلول بدلًا من التفكير في ذات المشكلة، والتفكير بطريقة واقعية بعيدًا عن الخيالات التي لا تُقدم ولا تؤخر، مع خفض سقف التوقعات والاستعداد لجميع الاحتمالات، ويختصر الكاتب “نورمان فينستييل” هذا كله في كتابه “قوة التفكير الإيجابي” بعبارة: “أعطِ عقلك السلام”.

تنمية مهارة التأقلم: التأقلم مع مختلف الظروف أمرٌ في بالغ الأهمية، ويُساعد الشخص على قلب الظروف لصالحه مهما كانت تبدو صعبة، ويكون بمحاولة الخروج من المشكلة بأقلّ خسائر ممكنة، وأقل تأثيرًا على النفس، والنظر من زاوية إيجابية دائمًا.

طلب الدعم من الآخرين: في كثيرٍ من الأحيان يشعر الشخص بحالة أفضل إذا حصل على دعم من أشخاص معينين كعائلته وأصدقائه، فيخففون من ضغوطاته النفسية ويُساعدونه على تخطي أي ظرف يُضعف مناعته النفسية. كما يُمكن اللجوء إلى الأخصائيين النفسيين إذا استدعى الأمر طلب المشورة.

تعلّم فنّ الانسحاب: في الكثير من العلاقات يُواجه الشخص مواقف تُؤثر على صحته النفسية وتخلق لديه الكثير من القلق والتوتر، وتجعله يُقدّم تنازلات لأشياء لن تُشكل له أي قيمة، وهنا تبرز أهمية الانسحاب من هذه العلاقات، وقول “لا” لأيّ شيء لا تُريده دون التفكير في نظرة الآخرين. ففي كتاب “كيف تقول لا؟” لمؤلفته كورين سويت، تقول: “ثمة درس ينبغي عليك تعلمه: لايفكر الناس فيك بقدر ما تقلق أنت بشأن ما يفكرون فيه”.

عادات تُعزّز المناعة النفسية

ممارسة بعض العادات اليومية، قد يقلل من احتمالية الإصابة بأية انتكاسات نفسية حادة، ويزيد من المناعة النفسية، ومن أهم هذه العادات:

ممارسة بعض الأنشطة في أحضان الطبيعية مثل: المشي والركض وتأمل المناظر الطبيعية الجميلة.

ممارسة الرياضة، في الهواء الطلق إن أمكن أو على الأجهزة الرياضية المخصصة.

ممارسة تمارين الاسترخاء وخصوصًا اليوجا والتأمل، التي تعيد شحن طاقة الجسم وتُساهم في تفتيح العقل وتغيير نمط التفكير، وتحفيز تغيير الحياة نحو الأفضل، وزيادة الدافعية.

ممارسة الأنشطة الممتعة مثل: تعلّم الهوايات والألعاب وتعلّم بعض الأنشطة العملية المفيدة مثل أعمال البستنة التي تُعطي الشخص الكثير من الطاقة الإيجابية.

الاندماج في الأنشطة المجتمعية المختلفة مثل المبادرات التطوعية، ومساعدة الآخرين قدر المستطاع.

الحصول على قدر كافٍ من النوم، إذ تُشير العديد من الدراسات أن قلّة النوم تُؤثر سلبًا على نفسية الإنسان وتجعله يُفكّر بطريقة أسوأ، ويميل إلى أن يكون أكثر تشاؤمًا وأقل شعورًا بالرضال.

زيادة التواصل مع الأصدقاء المقربين والأشخاص الإيجابيين.

تناول بعض الأطعمة التي تحتوي على مواد تُعزز الصحة النفسية وتُحفز إنتاج هرمونات السعادة مثل: السيراتونين. وأبرز هذه الأطعمة: الشوكولاتة الداكنة والفراولة والموز والأسماك الدهنية والخضروات والفواكه بشكلٍ عام. وتجنب السكريات والكافيين قدر الإمكان، لأنهما مرتبطان بزيادة الاكتئاب والقلق.

قراءة كتاب ممتع أو مشاهدة برنامج على شاشة التلفاز أو القيام ببعض العادات المسلية التي تمنع الشخص من التفكير السيء وتُشغله في أشياء مسلية وممتعة ومفيدة في الوقت نفسه.

في نهاية الأمر، مناعة الشخص النفسية مرتبطة بكل حياته، لهذا يجب أن يكون الحفاظ عليها من أهمّ أولوياته، وأن يأخذها بعين الرعاية وأن يُحاول قدر استطاعته أن يظلّ قويًا وذا نفسية متفائلة محبة للحياة ومقبلة عليها بقدرٍ كبيرٍ من التماسك والشغف، وألّا يسمح لأيّ شيءٍ أن يزعزع هذه المناعة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع