علم إجتماعمقالات نورا عبد الفتاح

ولكنكم تحبون العرّافين

معدلات السائرون فى الحياة بأعمال السحر والعابرون من المشكلات بالدجل والشعوذة والمعتقدون فى المنجمين وقدراتهم؛ فوق الخيال والتوقع بشكل رهيب.

منهم من يسلى أوقات فراغه ويتلهى عن أساسيات حياته بقراءة كتب عن كيف تحضر العفاريت وكيف تقوم بعمل سحر لأول مرة وكيف تيسر أمورك بلا مساعدة وكيف تنال كل ما تريد وكيف ترد المطلقة وتجلب الحبيب وكيف تجعل خيبتك أعلى من الجبل وأكبر من المحيط؟

لا سيما فى السنوات الأخيرة وكأنها بالوعة تنجيم وشعوذة وانفتحت.

ربما يسلك بعض هؤلاء هذا السبيل لوفرة ما لديهم من أوقات الفراغ أو المال فينفقون أموالهم وأوقاتهم فى هذه الأمور الشيقة، وربما ليس لوفرة المال والوقت وإنما لأنها شيقة ومثيرة وجديدة على حياتهم الروتينية المعتادة التى ملوا منها، أما مع الجن والعفاريت فسيجدوا كل جديد.

إحدى هؤلاء قالت لى ذات مرة أن السبب فى أنها تتبع هذا الطريق أنها تريد أن ترعب فئة معينة من الناس تعرفهم ولا تستطيع أخذ أى حقوق لها عندهم، فقررت إرعابهم بفكرة أن الجنى يعطيها قدرات لا يستطيعونها، وأنها تعرف عنهم عن طريق الجن والعفاريت ما يخفونه وتستطيع الإطلاع والتعرف على تفاصيل حياتهم وبيوتهم من الداخل، لذلك توقفوا عن إيذائها وبدأوا يطلبوا رضاها حتى لا ترسل إليهم عفاريتها فيدخلون بيوتهم فى أى وقت ويطلعون عليهم فى أى وضع ويخبرونها بما تريد وهى سعيدة بذلك ولا تنتوى التوقف.

من المواقف التى أذكرها دائماً فى هذا الصدد؛ يوم أن قررت أن أذهب إلى المسجد للصلاة وابتغاء الهدوء فى وقت كنت أشعر فيه بضغط كبير من جهات متعددة ولم أكن أستطيع البكاء مهما اشتد الأمر مع توفر رغبتى الملحة فى البكاء، فقررت أن أذهب إلى المسجد للصلاة والبحث عن بعض الهدوء لربما أبكى هناك إلى الله بمفردى وأزيل همى.

وبالفعل ذهبت إلى المسجد وبدأنا الصلاة وبعد أن بدأنا الصلاة بثوان قليلة بدأت أبكى بشدة على الرغم من أن الإمام يقرأ فى سورة الفاتحة وليس هناك من داع إلى البكاء فهو لم يقرأ آيات عن عقاب الله أو عن النار أو الندم على الذنوب أو الآيات التى من شأنها أن تبكى المصلين.

ولكنى إنطلقت فى البكاء من شدة الضيق الذى كان يملأنى وقتها وابتغيت البكاء إلى الله كنوع من الشكوى له وليس أكثر من ذلك.

ظننت أن كل المصليات مندمجات فى الصلاة وأن لا أحد ينتبه لى، ولكنى وجدت أن القريبات منى ينظرن إلى ونحن لم ننته بعد من الصلاة وهم يتلفتون ( فى وسط الصلاة كدا عادى )، مع أننى أذكر أن صوت بكائى كان معقولا جدا ومنخفضاً بل وتقريباً بلا صوت.

المهم أننا انتهينا من الصلاة ولكننى لم أنتهى من البكاء، وبمجرد أن انتهينا وجدت خمسة نساء وربما أكثر إجتمعن حولى، وقالت لى واحدة منهن ( إنتى تعبانة ؟) فقلت لها ( لاء) وجففت وجهى وقمت من بينهن وذهبت فى ركن قصى لأصلى بمفردى بجانبى حائط وأمامى حائط، حتى أبتعد، فجئن الخمسة خلفى وقالت لى الثانية ( لاء إنتى شكلك تعبانة، أنا أعرف شيخ كويس هيساعدك، أديكى رقمه ولا تحبى آجى معاكى لو هتخافى تروحى لوحدك ؟)

فقالت الثالثة ( لاء يا فلانة، الشيخ فلان أحسن هو غالى شوية بس مش مشكلة، هى باين عليها تعبانة أوى، وشكلها ممكن تدفع).
فتركتهن يخترن الشيخ على هواهن ولم أجب وذهبت إلى الجانب الآخر فى الركن المقابل، فجاءتنى إثنتين منهما ولله الحمد ذهبت الباقيات قائلات( هى مبتردش ليه دى ؟)، ولكن هاتين الإثنتين لم تفقدا الأمل بعد وبدى عليهما الخبرة الواسعة فى هذا الشأن.

فسألتنى واحدة ( هما واحد ولا أكتر ؟)
وسألتنى الأخرى ( هى الدبلة دى بجد ؟ انتى متجوزة ؟)
فعادت الأولى تسأل ( طب قوليلى انتى بتحسى بإيه وبتشوفى إيه وأنا هاقولك تروحى لأنهى شيخ، وممكن أجيبهولك البيت كمان ).
وسألت الأخرى ( هما بيطلبوا منك حاجات معينة ؟، هما بيمنعوكى تصلى ؟)

ولما لاحظتا بعد مرور دهراً أننى لا أجيب سألتنى إحداهما ( إنتى مبترديش ليه يا آنسة ولا يا مدام إنتى غريبة أوى، إحنا عايزين نساعدك يعنى ؟)

فتجهمت وأخبرتهما أننى أريد أن أكمل الصلاة قبل أن يغلق المسجد واستأذنتهما وقمت فقالت لى إحداهما ( طب قومى صلى وهنستناكى لحد ما تخلصى ولو تعبتى فى الصلاة متقلقيش إحنا قاعدين مش هنمشى لحد ما تخلصى ).

فصليت ركعتين فقدت فيهما الإندماج تماماً والتركيز لأنهما ( فصلونى خالص ) كما أن تركيزهما معى مخافة أن أتعب أثناء الصلاة كما تتخيلان فى أوهامهما أفقدنى التركيز الذى أتيت إلى المسجد أبحث عنه.

إنتهيت وذهبت تجاه الباب وأخذت حذائى فنادتا على بصوت عالٍ ( يا آنسة، يا مدام، إنتى حكايتك إيه بالظبط ؟) فادعيت عدم الانتباه وخرجت فخرجتا مسرعتين ليكملا العروض الشيقة حول السحر والدجل والعلاج بالعسل.

وللأسف وصلتا لى خارج المسجد وقالت لى إحداهما بعد أن أقسمت بأشياء لم أسمع بها من قبل، أنهما تريدان مصلحتى وأننى سأندم كل الندم لو لم أستمع لهما، وأن نياتهما طيبة ولا تبغيان إلا المساعدة وتريدان أن تنقذانى قبل أن يزداد الأمر سوءاً.

فوجدت أن الحل الوحيد أن أوافق على أخذ أرقام الهاتف الخاصة بهما، لعلهما تختفيان بعد أن أفسدتا جلسة الصفاء الذهنى التى كنت أرجوها، وأقنعتهما أننى سأتصل بهما للذهاب إلى الشيخ الذى سيعالجنى من البكاء فى الصلاة.
فكلتاهما ترى البكاء أثناء الصلاة مرضاً روحياً ويجب إيقافه وكأنهما لم تبكيان لله من قبل.

كنت أتمنى أن أخبرهما أننى لم أبكى إلا لمجرد الضيق من أمثالكما من المجانين والفضوليين ومهتزى الدين الذين يملأون كل مكان وبمنتهى الثقة.

ومثل هذين النموذجين هم من المجموعة التى تسلى أوقاتها بمثل هذه الشعوذات كنوع من اللهو والتسلية وادعاء مساعدة البشر وتصحيح مسار الغير.

هناك مجموعة أخرى تقصد حلول لمشكلات فشلت فى حلها وتصورت أن هذا باب أمل.

أحياناً يتصور بعض المتزوجين أن المشاكل والقلق والاضطرابات التى يعانون منها والتى هى بالفعل تملأ كل الزيجات حلها لدى الجن والمشعوذين لأنهم يتصورون أنها تحدث معهم وحدهم وليست مشكلات عادية أو هكذا صور لهم شياطينهم.

أضف إلى ذلك إمرأة لم تنجب، أو فتاة لم تتزوج، أو رجل مريض أو طفل تأخر فى الكلام أو شاب لا يعمل أو طالب يرسب فى الإمتحان أو رجل أو امرأة انفصل أحدهما عن شريكه فى الزواج أو شخص مرض لفترة طويلة، إذاً فالحل لكل هؤلاء عند الجن والدجالين  !!!

بعض هؤلاء تربوا على اللجوء إلى هذا الطريق وربوا أجيالهم اللاحقة على نفس المنهج؛ أن هذا الطريق يؤدى إلى حلول لكل الأزمان.

نأتى إلى الفئة التى تعانى من أعراض حقيقية بسبب الجن والعفاريت فعلاً ولسنوات طويلة وأحياناً عمرهم كله وهذا الأمر يفسد حياتهم ويتسبب فى معاناة قوية ومستمرة ومرعبة لمن حولهم.

المعلومة الأكيدة التى أوقن بها أن الجن يحبون من يحبهم ويهتمون بمن يهتم بهم ويتابعون من يتابعهم ويتسلون بمن يتسلى معهم ويمارسون أمورا محرمة مع من يريدون ممارسة
المحرمات معهم  full stop

هل هذا معناه أن من يتشنجون ويرتمون فى الأرض ويصرخون وينزفون دماء من أماكن غريبة ويصابون بجروح وخربشات ….. إلى آخره من قصص وحكايات يتصور المستمع لها أنهم ضحايا بينما هم جناة ؟
نعم، هم جناة، أو على إقل تقدير معظمهم  !

أو كانوا جناة فى البداية ثم انقلب السحر على الساحر، ولكنهم يظهرون بمظهر المجبر على هذا الأذى وهذا الوضع بينما الأمر كله باختيارهم.

تسنى لى الاستماع إلى قصص بعض هؤلاء وإذا بأهل وأقارب وأزواج وأبناء هؤلاء يتيهون فى دروب الدجالين والأطباء والقلق والرعب، بينما المرضى بهذه الأمراض أنفسهم  يقولون بكل جرأة ( بصراحة الموضوع عجبنى ) أو ( أدينى باتسلى ) أو ( هما بيعرفونى أخبار كل حاجة وأنا قاعدة ) فى نفس الوقت الذى يسعى أهلهم فيه لعلاجهم وتخليصهم من العفاريت المؤذية التى يظنون أنها تؤذيهم رغماً عنهم بينما الأمر كله يحدث بترحيب منهم ورضا تام.

ربما فئة قليلة جداً منهم هم ضحايا بالفعل، أو هم من تم عمل أعمال سحر لهم، وإن كان الإلتزام بالأذكار وسورة البقرة تفكان ( أجدعها عمل ).
ولكنى لا أفضل أن أقلل من معاناة أحد، لكن الأكيد أن اللجوء إلى الله بمفردهم وليس من خلال مشعوذين ومشعوذات سيلغى أى أعمال سحر، ولكن المداومة على اللجوء إلى الله على الدوام هى الحل وهو ما لا يفعله الكثيرون، بل أغلبهم يلتزمون بالأذكار وقراءة القرءان يومين أو ثلاثة أو أكثر قليلا، ثم يقولون ( لا، مارتحتش).

أذكر قصة أخرى؛ قصة امرأة غريبة إتصلت بى فى شهر رمضان فى الليلة السابعة والعشرين تقول ( أنا فيه حد قاللى إنك ممكن تساعدينى ) فسألتها ( أساعدك إزاى ؟) فقالت ( متعرفيش حد يعملى عمل سريع بس عايزة ألحق الوقت لاحسن إحتمال النهاردة تبقى ليلة القدر )
فقلت لها ( بس الكلام ده غلط، إنتى تعرفى كدا ؟)
فقالت ( غلط إيه بس، إنتى متعرفيش حاجة ) ودخلنا فى نقاش قصير جداً إنتهى بغلق الخط فى وجهى، لأنها لا تريد أن تضيع وقتها مع جاهلة مثلى، بينما الوقت يداهمها وهى تود أن تلحق ليلة القدر والتى عندما سألتها ( طب وليلة القدر علاقتها إيه بالموضوع ؟)، فقالت ( ده انتى متعرفيش حاجة خالص، وقالت كلاماً يصب فى أننى لا أساعد الناس كما توقعت منى ولا أقدر أزمتها وما شابه ذلك من كلام كثير وفجأة أغلقت الخط !

المأساة هنا أن اللجوء إلى الله أو اليقين بأن جميع الحلول عنده غير وارد أمامهم وليس فى الاحتمالات، بينما قرروا السعى لحالهم كما حددوا الطرق التى أيقنوا أن الحلول لن تأتى إلا من خلالها، مع أن الاعتقاد بأن الحل عند الله أسهل وأكثر راحة وأوفر للجهد والمال.

  المأساة الأخرى هى كم الشر الذى نحمله لبعضنا والذى يجعلنا نلجأ للسحر لنسير الأمور كما نشاء أو كما نتصور أننا نستطيع، فنؤذى شخص معين أو نزوج شخص بشخص أو نطلّق شخص من شخص أو نسهل أمراً ونصعب آخر أو نصيب أحداً بالجنون….. إلى آخره.

ومع أننا نعلم أن الله يقول ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) 
ونبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يقول ( من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ).
كما نعلم  ( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً )، ونعلم أن الذِكر يحمى من كل المحاولات للإيذاء عن طريق السحر أو غيره ولكننا لا نلتزم به.
ونعلم أن ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )، ولكننا نختار طرقاً لا تناسب ما نعتقده ونعرفه أو نعتقد أموراً لا تتفق مع معطياتنا الدينية ثم نتعجب من النتائج وما وصلنا إليه !!!

ربنا يهدينا جميعاً.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع