مقالات نورا عبد الفتاح

هل ينتشر مرض الأدب ؟

خلقنا الله أحرارا، مع الوضع فى الاعتبار ؛ أسبقية العلم الالهى ، لا أحد يختلف على أن لكل منا الحرية الكاملة فى اختيار أفعاله ؛ خيرة أو شريرة ؛ مهذبة أم مبتذلة ؛ قوية أو ضعيفة ، كلها باختياره الحر.

ونلاحظ دائما أن الشخص الذكى عادة ما يبحث عن راحته بقدر الامكان دون أن يزعج أحدا ، ودون أن يتكلف شيئا، وتجده دائما دمث الخلق ، مهذب الطباع ، رقيق الكلام، حسن المظهر.

ليس هذا لأن حياته سهلة وطرقه كلها ممهدة وفى فمه ملعقة من الماس والزمرد والمرجان ، وإنما بذكائه حاول أن يحسن التصرف فى مواقف حياته المختلفة ، والتى عادة ما تصب فى بوتقة “الأدب ” ، حتى وإن تكلفه بحثا عن راحته .


فهو يرى دائما أن الأدب فى كل شئ أقصر وأسهل وأسلم الطرق ، فهو لا يكلفه ماديا ولا مليما واحدا ، يجد احترام الاخرين وكسب ودهم ؛ أولى من فقدهم وتدمير علاقاته ، حتى وان كانت مع أناس غير محترمين ، لأنه سيجبرهم بأدبه على أن يحترمونه ويقدرونه ، حتى وان احترموه ليس لأدبه بقدر ما هو بسبب عدم تصديقهم ؛ أن هناك شخص من ” بنى ادم ” ؛ يحترمهم ويحاورهم بألفاظ مشابهة ل ” حضرتك – من فضلك – أشكرك ” .

يرى أن اظهار الترحيب فى المساء والصباح مع من يعرفه ومن لا يعرفه ؛ لن يكلفه سوى ثوانِ ومجرد فتحة فم، وبذكائه يعلم أنه يجنى فى المقابل ؛ علاقات طيبة وسمعة حسنة وهدوء وسلام داخلى يخدمه ذاتيا .


يرى أن سماع شكوى صديق أو زميل أو قريب ؛ لن يكلفه سوى صداع مؤقت، وسيزول عندما يخرج كلام هذا الصديق من أذنه الأخرى ، أو حتى بعد أن يقوم من جلسته معه، المهم أنه أراح هذا الشخص وأزال عنه همه ولينفض عن رأسه غبار الشكوى بعد ذلك .

يرى الصبر على غياب أخلاقيات البعض وتعاملهم بصفاقة وحماقة ؛ قد تحرجهم وتغير منهم يوما، فلا يرد الاساءة بالاساءة ، وأحيانا ما يقنع نفسه بذلك ، حتى ان كان لايستطيع الرد أو مجاراة هؤلاء فى مباراة” الاخلاق المتدنية الكبري ” .
فيقنع نفسه أنه الرجل الفريد الذى عفا عند المقدرة ؛ حتى وإن كان خوفا، المهم أنه أحسن التصرف ومرر الموقف بسلام.

بالطبع هناك بعض من يقومون بمثل هذا السلوك ؛ عن أدب عميق واقتناع تام وطبيعة صادقة ، وهناك من يقوم به لمجرد ذكاء فى التعامل مع غيره ومع مشاكله وغالبا نحن لا نميز بين الاثنين الا قليلا .

المهم أن يصبح الأدب مرضا معديا يتفشي وينتشر بنفس سرعة الغش والنفاق والكذب والوقيعة والخيانة، ويا حبذا ينتشر بشكل أشرس، وأن يصبح علاجه صعبا، كما هو الحال مع أمراض التدليس والإيذاء والظلم.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع