أزمة أم وقفة
يمكننا مراجعة أنفسنا بالعديد من الطرق التى تغير المسار وتحسن الأداء وتقيد الأخطاء وتدفع للأمام، فنحن نحاسب أنفسنا من حين لآخر لنتأكد هل نحن على الطريق السليم، هل نسلك السلوكيات الصحيحة ؟ هل نعمل فى الوظيفة المناسبة؟ هل نعرف أصدقاء صالحين ؟ هل نتقدم فى طريقنا إلى الله ؟ هل نتقدم فى العمل أونتأخر مع أسرنا ؟ هل نتقدم فى علاقتنا بزوجاتنا أونتأخر فى علاقتنا مع الله ؟ هل اشتغلنا على أنفسنا بما يكفينا وبالشكل الذى نستحقه ؟
هذا أمر روتينى وطبيعى جداُ لدى أى إنسان ليطمئن على أحوال ماضيه، حاضره ومستقبله.
أما من لا يتابع هذه الأحوال ولا يهتم بتقدير أموره ولو مرة كل عام، قد يُفاجأ بأنه أصبح فى وضع المندهش من حياته وعمله وزوجته ( زوجها ) وأصدقائه وشكله ومستواه العلمى والاجتماعى والحى الذى يعيش فيه وأمور مشابهة، وكأنه يرى حياته لأول مرة وهى لا تعجبه وغير مريحة بالنسبة له وغير ملائمة لتطلعاته ولا يريد أن يستمر هكذا !
إنه ما يقولون عنه أزمة منتصف العمر والتى قد تبدأ عند البعض من عمر الخامسة والثلاثين أو الخامسة والأربعين وحتى الخامسة والستين، ليست كل هذه المدة لدى الشخص الواحد وإنما قد تبدأ فى أى عمر ما بين هذه الأعمار وبالطبع هى لا تصيب الجميع وإنما البعض !!
قد تكون بسبب الإنغماس القوى فى المسئوليات مع عدم تقدير المحيطين مع التقدم فى العمر وتأثر الصحة والمظهر بذلك مع الشعور العام بعدم الاستقرار مع أسباب أخرى تختلف من شخص لآخر تجتمع ضد صاحب هذا الشعور فتشتت فكره وتربك حياته.
يقول البعض أنها أزمة كبيرة ويقول آخرون أنها فترة قد تطول أو تقصر ولكنها لا تمثل أزمة.
إن ما يفصل بين ما أن تكون أزمة أو فترة وتنتهى، هو كون صاحبها منزعج من وجودها أم متعايش معها، وهل صاحبها يشعر فى هدوء وسكينة بأنه لم ينجز كل أحلامه ويبقى له الكثير الذى لم يفعله وأن عليه الاهتمام بمظهره والاهتمام بأسرته والإهتمام بعلاقته مع الله، وهذا ما سيفعله فى الفترة القادمة وأن هناك ما يكفى من الوقت والأمل ؟
أم أنه متوتر وغير راضِ عن أى شئ فى حياته ويتمرد على وظيفته فيتركها وعلى زوجته فيطلقها أو على زوجها فتخلعه أو يتصابى فى سلوكياته أو تخلع الحجاب أو يغير أصدقائه القدامى كلهم أو تترك هى قناعتها وتتجه إلى الجشع والطمع !
إن أخذتهم الفكرة إلى تغييرات نحو الصواب أو حتى تغييرات لا تنفع ولا تضر مثل تغيير لون الشعر أو منهج لبس معين أو التعرف على أناس جدد فهى ليست أزمة ولكن لو أصبح الأمر هدم لكل ما مضى من العمر ومحاولة بدء حياة جديدة مع أناس جدد وأصدقاء جدد وأسرة جديدة ووظيفة جديدة، فهى بالطبع أزمة.
كما يمكن الفصل بين ما إذا كانت تمثل مرحلة أو أزمة بتحديد إلى أى مدى يدرك صاحبها أنه يمر بها من عدمه، فلو فهم هذه المرحلة وسيطر على أفكاره وأخذ نفسه وتغيراته الفكرية فى إتجاه سليم فسيستفيد منها ويعتبرها إستفاقة أما لو إندهش من نفسه أو شعر بأنه جن عقله أو أشعره من حوله بخلل عنده أو أنه غريب الأطوار ومضطرب وأن هناك مشكلة متفاقمة فستصبح أزمة حقيقية قد تستمر إلى آخر العمر.
تقول الدراسات أن أكثر المراحل العمرية سوءاً والمليئة بالحزن والتوتر والاضطراب هى فترة منتصف العمر مما يعنى أنها فترة وستنتهى ويعود الإنسان أفضل مما كان قبلها وأكثر إتزاناً وسعادة فهى ليست أزمة أبدية لا منتهية، من يدخل فيها لا يخرج منها، بل الحقيقة هى العكس تماما، فهذه المرحلة قد لا تتجاوز بضعة أشهر بل وبضعة أسابيع عند البعض، ولكن لو أحسنا التعامل معها.
ينصح البعض باعتبارها مرضاً نفسياً يجب التعامل فيها مع الطبيب النفسى وتناول عقاقير طبية وكأنها مرضاً، ولكنى لا أرجح هذا الرأى على الإطلاق، لأنها تنتهى عند أغلب البشر بدون عقاقير، فلا داعَ للدخول فى دروب الأدوية مادمنا لسنا مضطرين، ويمكننا إستبدالها بالتعرف على أناس إيجابيين جدد والبدء فى ممارسة أى رياضة أو الدخول فى هوايات جديدة وإصلاح كل ما يسوء صاحبها فى حياته ولكن بتريث وتدبر، فإذا كان عمله يستحق التغيير فليغيره وإذا كان شريك حياته يستحق التقويم فليبدأ معه ويقوّم نفسه معه ، وإن كانت هناك علاقات سامة متعددة فى حياته فليتخلص منها وإن كان أبناءه يحتاجون لوجوده فليتواجد معهم، وإن كان بعيدا عن الله فليتقرب، وإن كان ظالماً أو مظلوماً فليتوقف على الفور.
ويعتبرها مرحلة تفكير وترتيب أوراق وتصحيح مسار وتحديد أولويات وتقويم إعوجاجات، بدلاً من إعتبارها أزمة وأن ما فات من العمر ليس بقدر ما تبقى وأنه لم ينجز شيئاً وليس راضياً عن أى شئ، ويدخل فى دائرة سلبية لا تجر على حياته إلا كل سلبى بل وقد تدمرها.
الحقيقة الأكيدة هى أن كل فترة فى العمر لها سماتها، لها جمالها ولها قبحها، ويمكننا تضخيم الجمال فى كل منها أو تضخيم القبح، ولنا الاختيار.
وفرض علينا شئنا أم أبينا أن نتحايل على كل ما لا يروقنا فى كل يوم من كل مرحلة والتعايش معه، كما نتعايش مع الإختلاف والتشتت والأذى، ولنعتبرها مرحلة تغيير للأفضل تدفعنا لنكون أناس أكثر نضجاً ومرونة وخبرة بدلاً من إختيار الدوائر السلبية.
يعتبر البعض أن هذه المرحلة فى غير صالح أى زواج وأنها تتلازم مع شعور كلا الزوجين بالاستغناء عن الآخر، فيهددهما بالانفصال، لا سيما إن كان أحدهما فى انتظار زلة الآخر، مع أن أى زوجين قد يستغلانها لصالحهما، فشعور كلا منهما بالاضطراب والنظرة الجديدة لحياتهما قد يختفى لو استعان كلا منهما بالآخر لتخطيها، وهذا ما يحتاج إلى بعض الجهد والطاقة !
فتصبح وقفة فى منتصف الطريق، يكملون بعدها بشكل أقوى وأفضل وأكثر رضاً.