مقالات نورا عبد الفتاح

عروسة حازم


أحياناً ما أقف ضد النساء والفتيات اللاتى ينكرن دور الأنثى ويتقمصن دور الذكر.

لكن هذا لا يعنى أننى ضد النساء والفتيات فى المطلق، النساء اللاتى يقمن بدور الأنثى على الوجه الصحيح ولكن الحياة والناس والعادات لا تخدمهن !  
كيف لا تخدمهن ؟

أرسلت لى فى أقل من شهر حوالى ستة زوجات رسائل يسألن فيها سؤالاً واحداً ( هما ليه أهل جوزى بيعملوا معايا كدا ؟)
والمواقف كلها متشابهة وتصب فى التحقير والإهانة المباشرة والغير مباشرة والتهميش والتصغير والتقليل بأشكال مختلفة، وأن أهل الزوج يحاولون إلغاء هويتهن تماماً وخلق مخلوق جديد مشابه لهم وطوع رغباتهم كل الوقت، فإما ينصاع لهم هذا المخلوق وإلا يعتبرونه هواءاً أو جانب ضعيف أمام تجمعهم ويجب دهسه. 

وهذا على اختلاف المستوى الفكرى والمادى والاجتماعى لكل منهن.

ولو سألت رجلاً فى خلاف مع زوجته عن سبب سوء معاملة ما أو ممارسة ضغط ما على زوجته، يقول ( أنا مازعلش أمى علشان مراتى ).
( يعنى علشان حد غير مراته هيزعل أمه عادى ؟)

كم تمنيت أن أعرف من المريض صاحب فكرة أن إرضاء الزوجة يغضب الأم أو أخوات الزوج أو أهله بوجه عام، (فأحياناً ما تكون أخت الزوج أسوء مع زوجة الإبن من حماتها) ؟؟؟
ولماذا ستغضب الأم فى حال رضا الزوجة ؟

معظم الرجال يخلطون بين بر الأم الواجب والذى يتضمن السؤال عنها وزيارتها باستمرار، قضاء إحتياجاتها كلها إن أمكن، رعايتها فى حال مرضها وفى حال صحتها، الحديث معها فيما يهمها وبمنتهى الأدب، مراعاة شعورها فى العموم وإخفاء عنها الأخبار التى تقلقها أو توترها، وبين الإنصياع الأعمى للأم حتى وإن أخطأت أو تدخلت فيما لا يعنيها، فللأم الحق فى كل ما ذكرناه فى بداية الفقرة ولكن ليس لها الحق فى التدخل فى ما الذى يشتريه الزوج فى بيته وما الذى لا يشتريه، ما يفعله مع زوجته وما لا يفعله، طريقة حديثه مع زوجته أو الحوار بينهما، كم مرة تزور الزوجة بيت أهلها حتى وإن كان ابنها يزورها بشكل يومى، كم يعطى زوجته للإنفاق على المنزل وكم يخفى عنها، أى قدر من المال يدخل به جمعيات وأى قدر ينفقه، أين يسافر هو وزوجته أو ألا يسافر أو يتنزه بزوجته من الأساس، التعليق على طريقة لبس زوجته أو ذوقها عموماً، المدرسة التى يذهب إليها الأبناء، وطرق تربية هؤلاء الأبناء، كم كيلو سمك وكم كيلو لحمة يشترون كل شهر، هذا ليس براً !!!!!
هذا ( تهريج ) !!!!

هل عقل هذا الرجل معطل لدرجة أنه لا يميز بين هذا الذى يعد براً بلا نقاش وبين هذا التدخل والعبث وتصنع المشكلات ؟
هل هو ضعيف الفكر إلى هذا الحد لدرجة لا تؤهله للتفريق بين حقوق أمه وما ليس بحقوق  ؟؟؟

كما تمنيت أن أعرف من صاحب فكرة المقارنة بين الأم والزوجة من الأساس ؟
هذه المقارنة تذكرنى بمقارنة اللون الأخضر بنهر النيل، أو مقارنة برج القاهرة بسلاسل جبال البحر الأحمر، فما من وجه واحد للشبه بينهما !
عندنا من التشوهات الإدراكية والفكرية ما يهد الجبال ويجن العقل ( مش بس عندنا ) فنحن نرثها ونورثها بمنتهى العزة بالإثم ونفخر بها ونؤكدها ونثبت جذورها حتى لا تقتلع أبداً ونظل فى دوامات لا أساس لها ولكننا نؤكدها وخلاص !!!

إننا هنا بصدد حق زوجات يُهضم تماماً ويتم إنكاره وتناسيه ( ومحدش فاهم ليه ) !
لكنى ومن القصص التى أسمعها والتى أزعم أنها وسيلة تؤهلنى للحكم على الوضع؛ فإنه غالباً ما يتعامل أهل الزوج مع الزوجة بتحقير وتهميش متعمدين وباعتراف الكثيرون منهم ( آه بصراحة إحنا بنبقى عليها فى التصرفات، آه طبعاً هى لازم تسمع الكلام، هى لازم تبقى تبعنا، هى لازم تتربى على نظامنا ) !!
  والسؤال البسيط الذى يطرح نفسه علينا ( واحنا قاعدين كدا )  ؛ (طب ليه مبيدوروش على حد زيهم وتبعهم وعلى نظامهم من الأول ويريحوا الجميع ؟)

بدون كلام مكرر سأحكى موقف حدث معى
وأتركك تستنتج منه مقدمات لنتائج، وترى فيه مدى النظرة المتدنية التى ينظرها أهل الزوج فى أحيان كثيرة جداً لزوجة الإبن.

ذات يوم وأنا فى مترو الأنفاق فى عربة السيدات نادتنى امرأة فى حوالى الستين وطلبت منى أن آتى لأجلس بجوارها وكنت قريبة من الباب ولا أنوى الجلوس، فقلت لها (  لا، شكراً ) فنادتنى ثانية ( تعالى بس ) فتوجست منها خيفة وعدت للنظر إلى السقف والتدقيق فى الخطوط والثنيات والتفاصيل الهندسية للسقف كما أفعل دائماً، فقامت ووقفت بجانبى وقالت ( طب أنا هاجيلك مادام مش عايزة تيجى ) فقلقت بشأنها وتذكرت الحكايات التى نسمعها عن حوادث الاختطاف الذين يأخذون ضحاياهم ليصبحن جوارى عند الدواعش أو يأخذون أعضائهم ويلقونهم ممزقين فى صناديق القمامة.

ولكن بدأت أطمئن عندما قالت لى ( أنا ابنى دكتور جراح وعنده 42 سنة، إيه رأيك ؟  ).
فقلت لها : طب كويس، برافو عليه، ربنا يوفقه.
فقالت : كويس إيه ؟
أنا قصدى ( تتجوزيه يعنى).
( إنتى 24 ..25 كدا، صح ؟ )
فقلت لها ( هو أنا عجبت حضرتك بسرعة كدا ؟)
فقالت : مش هاقوللك لاء.
فقلت لها : طب مش يمكن ماعجبوش !
فقالت : لا طبعاً، هتعجبيه أنا عارفة إبنى.

فقلت لها : طب افرضى هو معجبنيش !
فقالت 🙁 توء توء توء توء، إزاى بقى، ده أحسن راجل فى الدنيا)
  وكأنها تقول ( إنتى هتقلى أدبك ولا إيه ؟)

فقلت لها :أنا بصراحة مستغربة من ثقة حضرتك فى الاختيار وانك متأكدة وضامنة الموضوع كدا.
فقالت : آه طبعاً ضامنة،أنا مجوزاه تلات جوازات بنفس الطريقة !
فقلت لها : يعنى هو طلق تلاتة قبل كدا ؟
فقالت : آه.
فقلت : طب مش يمكن أنا مش عايزة اتجوز واحد اتجوز 3 مرات قبل كدا ؟
فقالت : لا إنتى شكلك عاقلة.
( العاقلة تتجوز واحد مطلق 3 وأكبر منها ب 18 سنة وهى لم يسبق لها الزواج )
فقلت لها : طب مش يمكن السبب إنك إنتى اللى بتختاري له العروسة ؟
ما تجربى تسيبيه يدور لنفسه !
فقالت : لاء، هو مش فاضى، ده بييجى كل يوم متأخر ومش شايف قدامه.

فقلت لها : هو على أى حال أنا متجوزة.
فقالت : احلفى.
فضحكت ضحكة لطيفة مخافة أن تسئ التصرف وقلت لها : آه بجد.
فقالت : إنتى بتهزرى صح؟ والدبلة دى انتى لابساها علشان محدش يضايقك، صح ؟
فقلت لها : لاء، مش باهزر، أنا متجوزة بجد.
فقالت : أصلك مش باين عليكى يعنى، الواحدة بيبان عليها كدا وبيبان كمان على وشها وصوتها.
فقلت لها : بيبان إزاى ؟
فقالت : بيبان طبعاً، أنا عندى 59 سنة، وافهم كويس، هو انا صغيرة ؟
طب خلاص بينى دبلتك دى، انتى مخبياها ليه ؟ فقلت لها : أنا مش مخبياها، أنا كنت حاطة إيدى فى جيبى.
فكررت السؤال : بجد، طب احلفى.
ثم قالت :  يلا معلش.
( وكأنها تقول يلا فى داهية ).
فجاءت صديقتها أو قريبتها أو سيدة ما كانت تجلس بجوارها لتسألها ( خدتى العنوان ورقم باباها ؟)
فقالت الأولى : لاء، طلعت متجوزة، بتقوللى أسيب حازم يدوّر لنفسه.    
فضحكت الثانية وأخذتها وعادتا للجلوس.

إن أم حازم تسلى جلستها فى المواصلات مع صديقتها باختيار فتيات من المترو لتتزوج إبنها.
وتريده وهو فى ال42 أن يتزوج فتاة فى ال 24 أو ال 25 كما توقعت هى أن عمرى 24.

بدون خوض فى معتقدات وموروثات أصيلة، هل اتضحت نظرة الأم وأهل العريس حازم لزوجته المستقبلية، إنه حتى لا يكلف نفسه عناء البحث عن المرأة التى سيتزوجها، ولا يعنيهم أنه تزوج لثلاث مرات سابقة ويمكنه الزواج من فتاة لم يسبق لها الزواج.

كما تفترض الأم حتمية قبول حازم للعروس وأن هذا من المسلمات، وأنه مطيع لدرجة قبول أى زوجة تأتى بها والدته ليتزوجها ( وخلاص ) !!
الويل، كل الويل لعروسة حازم !

سيتزوج أى أنثى والسلام، فهو يأتى متأخراً كل يوم ( فمش فارقة معاه ) فمن الممكن إستبدالها بأنثى الغوريلا أو أنثى الحوت !
 
وحتى لو اعتبرنا أن هذه الأم فخورة بابنها الجراح وتمارس العُجب والغرور على بنات الناس لهذا السبب وتختار على مزاجها، إلا إن هناك الكثيرون من حزب أهل الزوج ما يمارسون نفس الدور المسيطر والمتعالى على زوجة الإبن حتى وإن كان هذا الإبن ضائعاً من ناحية المستوى الفكرى أو التعليمى أو الأخلاقى، بل ويبحثون له عن فتاة مثالية ( علشان ربنا يهديه  على إيديها ) بعد أن يكون قد ضاع عمرها وأصيبت بالشلل أو السرطان أو السكر والضغط وغيرهم.

فى كتاب ذكر شرقى منقرض للدكتور محمد طه؛ ذكر بعض أمثلة من الأسئلة التى يسألها الزوج المتوقع للزوجة المتوقعة فى اللقاء الأول، والتى أخذها من تعليقات المعجبين فى حسابه على مواقع التواصل الاجتماعى، كان من بينها :

معاكى فلوس ؟
اقطعى علاقتك بكل أصحابك.
أنا صعب أشرب عصير فى الشارع علشان وضعى الاجتماعى.
بتخرجى كام مرة فى الاسبوع ؟
شعرك ناعم ولا أكرت ؟
مرتبك قد إيه ؟
هتتخنى بعد الجواز ؟ولو هتتخنى يبقى مش هينفع أكتر من اتنين كيلو.
عينك مش ملونة ليه زى مامتك ؟
عاملة إيه فى المطبخ ؟
لو قلت لك أنا ولا القطة بتاعتك، هتختارى مين فينا ؟
مراتى متشتغلش.
مراتى متطلبش تروح عند أمها كل شوية، أو تخرج عموماً.
تعرفى مين نيلسون مانديلا ؟
أنا ناوى أعدد الزوجات، إيه رأيك ؟
الفجر بيأذن الساعة كام ؟
عندك شقة ؟
إقنعينى أتجوزك ليه !
مش شايفة إنك محتاجة تخسى ؟
إنتى بتخلفى ؟
بتعرفى تعملى كام صنف رز ؟
عاوزة تطلعى بإيه من القعدة دى ؟
لو قلت لك إن صفات برجك رخمة ووحشة، هتغيريها علشانى ؟
شايفة نفسك فين كمان 5 سنين ؟
هتورثى كام ؟

بقليل من التركيز نلاحظ كم الغرور والتعالى ومن اللقاء الأول، ما بالنا بعد الزواج بعشر سنوات أو عشرين سنة وبعد أن يمل كلا منهما من الآخر !!!

وإن كانت هذه الأسئلة غريبة ولا تمثل كل الرجال، إلا أنها متواجدة ومنتشرة بشكل يستدعى التوقف لأنها تعبر عن واقع، وإن كان هؤلاء قد عبروا شفهياً بحديث يؤخذ عليهم، فهناك من الأمثلة المشابهة الكثيرون ممن لم يعبرون لفظياً ولكنهم يتبنون نفس الفكر وتدور داخل رؤوسهم ذات الأسئلة ولكنها لم تجد بعد الفرصة للظهور !

تزوجت شقيق صديقتى فى المدرسة، وكان الحديث بيننا محدوداً جداً، إلا أنه كان يدور أحياناً حديثاً قصيراً وسريعاً من حين لآخر وفى حضور الجميع إلا أنه كان يحدث أن نلتقى ونتحدث، وعندما بدأ يتحدث عن نية  للزواج، كنت أعرفه ويعرفنى جيداً، فالحقيقة أننى لم أجرب زواج الصالونات كما يسمونه، وحتى مشروعات الزواج التى لم تكتمل قبل زواجى كانت مع أناس أعرفهم ويعرفونى، ولكنى أشعر تماماً بكل فتاة وضعت فى موقف كهذا لتدخل فى مشروع زواج مع شخص لم تره من قبل، وإذا بها تجده يسأل أسئلة مريبة فى أول لقاء !!

وهذا الأسلوب لا يعيبه شئ ولكن له أصول وآداب، فهل يعقل أن رجلاً يسأل فتاة يراها لأول مرة؛ إنتى بتقبضى كام ؟ أو هتورثى قد إيه ؟ أو إنتى هتتخنى ؟ أو إنتى بتخلفى ؟

وكأنه ينجز عملاً متعجلاً، ويريد النتيجة سريعة، حتى لا يضيع وقته، فهو لن ينتظر للقاءات تالية ليجيب على تساؤلاته، فقد يكون له لقاء ثانى أو ثالث مع فتيات أخريات ليقارن ! 

دعونا ننظر نظرة موضوعية لنجد أن عدم تقدير الزوجة له جذور عميقة لدى الرجل ولدى أهله وعائلته حتى من قبل أن تظهر الزوجة فى حياتهم، بل إنها نية لديهم.

يكفينا فى القرن الحالى أن نعترف بالفكرة ثم يعالجها أحفادنا فى القرن القادم، فى حال اعترفنا بها من الأساس !!!!

وبالنسبة لسؤال السيدات الفضليات اللائى سألننى عن سبب تهميش أهالى أزواجهن لهن، ( أنا والله ما اعرف السبب، لو اعرف هاقول على طول بصوت محمد سعد ) أو ( ممكن نمشيها إنها موروثات خايبة ).

وبمناسبة الموروثات الخايبة التى لم يفهم أحد لها أساس يسعدنى ذكر قصة قصيرة، لا أذكر من قالها ولا ما هى أصولها ولكنها عبقرية كمثال؛ تحكى القصة عن فتاة وجدت أمها تقص ذيل السمكة قبل أن تقليها فسألتها عن سبب قص ذيل السمكة فأجابت الأم، أنا لا أعلم ولكنى وجدت أمى وهى جدتك تفعل ذلك ففعلت مثلها، لنذهب لها ونسألها، فذهبوا للجدة وسألوها لماذا تقصين ذيل السمكة قبل قليها، فقالت لا أعلم وجدت أمى تفعل ذلك ففعلت، لنذهب لها لنسألها، فذهبوا للجدة الأكبر ليسألوها لماذا تقصى ذيل السمكة قبل قليها ؟ فأجابت ( علشان الطاسة بتاعتى صغيرة ) !!!

نفس الأمر يحدث مع الزوجات؛ تتعاقب الأجيال وتأتى أجيال جديدة يجدون أجدادهم يهمشون الزوجات ( فيقولون يلا نهمشها إحنا كمان، ومحدش فاهم حاجة ) !

قال موروثات قال !!!

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع