دين إسلامى

خير العمل فى يوم عرفة

صيام التطوع يكون أعظم استحباباً، ويتأكّد حال موافقته لأيّام فاضلة، ويعدّ يوم عرفة من الأيام الفاضلة التي يُستحبّ الصيام فيها.

وقد استحبّ الفقهاء صيام يوم عرفة لغير الحاج، وتعددت آراء الفقهاء في حكم صيام يوم عرفة للحاج؛ فذهب الحنفيّة إلى استحباب صيام يوم عرفة للحاج إن كان الصيام لا يضعفه عن أداء مناسك الحجّ؛ وذلك لفعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وذهب الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى كراهية صوم الحاج يوم عرفة، وقالوا باستحباب الإفطار في يوم عرفة للحاجّ.

ويكفّر صيام يوم عرفة صغائر الذنوب والمعاصي التي وقع بها العبد في سنتين؛ الماضية واللاحقة؛ فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ؟ فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).

والمقصود بتكفير السنة القادمة؛ أي أنّ الله تعالى يوفّق عبده المؤمن في اجتناب الذنوب والمعاصي التي تحتاج إلى تكفير في سنته القادمة؛ جزاءً له على صيام يوم عرفة.

الدعاء في يوم عرفة بيّن النبي صلى الله عليه وسلم- أنّ الدعاء يوم عرفة من أفضل الدعاء، وأكثره خيراً؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أَنا والنَّبيُّونَ من قبلي: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ).

فالدعاء في يوم عرفة يكون أعظم ثواباً، وأجزل عطاءاً، وأقرب إجابة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر في يوم عرفة من قول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”؛ لأنّ هذا الدعاء يشتمل على ثناء الله تعالى، وتوحيده، مما يكون سبباً في نزول رحمة الله تعالى وخيره على عباده الموحّدين،كما أنّها شهادة التوحيد، وأفضل الدعاء قول: “الحمدلله”؛ لأن حمد الله تعالى على نعمه يتضمّن معنى الشكر الذي يكون سبباً في زيادة النعم.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

الدعاء في القرآن الكريم يأتي بمعنيين؛ المعنى الأوّل دعاء العبادة؛ كقوله تعالى: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ).

والثاني يأتي بمعنى دعاء المسألة، كما قال جل وعلا: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)؛ فكلّ داعٍ لله تعالى هو عابد له، وكذلك كلّ عابد لله تعالى فهو داع له وسائل.

يستحب للمسلم أن يكثر في يوم عرفة من ذكر الله تعالى ويشتغل بالتكبير، والتهليل إلى حين غروب الشمس، ويستحبّ أن يذكر الله تعالى بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كأن يقول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير”.

وكان الصحابي عبدالله بن عمر رضي الله عنه يذكر الله تعالى كثيراً في يوم عرفة فيقول:

“الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، اللهم اهدني بالهدى، وقني بالتقوى، واغفر لي في الآخرة والاولى”.

وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم الذكر في يوم عرفة بأفضل الدعاء؛ وذلك ليبيّن اختصاص يوم عرفة بهذا الدعاء، وقد يسمّى الثناء دعاءً؛ وذلك لتشاركهما في جلب المنافع، وحصول المقصود بهما.

يحقق الحاجّ ركن الوقوف بعرفة إذا حضر في داخل حدود المكان المسمى بعرفات، وأقام فيه لوقت يسير، ولو لحظة فأكثر، وأن يكون حضوره بنيّة الوقوف، ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من ظهر يوم التاسع من ذي الحجة، ويستمر إلى فجر اليوم العاشر من ذي الحجة.

وفي موقف عرفة يدنو الله تبارك تعالى من عباده، ويباهي بهم ملائكته الكرام، وفيه يعتق الله تعالى من النار أفواجاً من الناس لا حصر لهم؛ فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟).

ويقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى عن يوم عرفة: هو يوم العتق من النيران، فيُعتق الله تبارك وتعالى فيه حجّاجه الواقفين بعرفة، كما يعتق فيه عباده المسلمين في كلّ مكان؛ أولئك الذين لم يشهدوا الوقوف بعرفة؛ ولذلك يتبعه يوم عيدٍ لجميع المسلمين؛ وذلك لاشتراك جميع المسلمين في العتق من النيران، ونيل المغفرة في يوم عرفة.

يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو اليوم الذي يسبق يوم النحر، وقد عظَّم الله تعالى مكانة يوم عرفة، ورفع منزلته، وجعله أفضل الأيّام؛ ففيه تتنزّل الرحمات، وتجاب فيه الدعوات، ويغفر الله تعالى فيه الأخطاء والزلّات، ويُعين فيه أهل العثرات، ومن الأعمال المستحبة في هذا اليوم؛ صيامه، والإلحاح على الله بالدعاء، و الإكثار من ذكر الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع