جلسة القهوة أهم من الأقساط والديون
الزواج لغوياً يعني اقتران شيء بآخر وارتباطه به بعد أن كان كل واحدٍ منهما منفصلاً عن الآخر ويشكل كياناً خاصاً به، إلا أن مصطلح الزواج يستخدم حصرياً للدلالة على زواج رجل من امرأة على سبيل الدوام والاستمرار بهدف تكوين أسرة. الزواج شرعاً عبارة عن حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر طلباً للنسل والذرية على الوجه المشروع.
هكذا عرفنا المعنى اللغوى للزواج كما فى القواميس والمعاجم، ولكننا دائما ما نربط علاقة الزوجين بالأهل والأبناء والمسئوليات، فنجعل الزواج بدلاً من أنه علاقة بين إثنين يصبح علاقة بين عائلتين قد لا يكونان على إتفاق، لدرجة تصل فى كثير من الأحيان إلى إحداث تفريق بين الشريكين بسبب الأهل أو لسبب أحد أفراد عائلة أحد الشريكين.
ونحمل كل شريك مسئوليات تجاه أهل الآخر، فالزوج لابد له من أداء فروض ولوازم تجاه أهل الزوجة، فإن لم يقم بها، أصبح منبوذاً ومشجوباً من الزوجة نفسها حتى وإن كان مثالياً معها وفى بيته.
وكذلك الزوج يرى أن زوجته إن لم ترضى أهله بواجبات وفروض يفرضونها هم، حتى وإن كانت أحياناً غير منطقية، فهى لا تصلح للزواج حتى وإن كانت معه على أكمل وجه، ولكننا نخلط بين الأمرين، مما يثقل الزواج ويصعب الأمور بدون داعِ.
أى علاقة بين البشر كلما حملناها أعباء كلما صعبنا عليها الإستمرار والصمود.
هل تعلم لماذا تعتبر علاقات الصداقة من أمتن وأقوى العلاقات ؟
لأنها علاقة بين إثنين، لا يعنيهما إلا أمورهما الشخصية، إن كان أحدهما سعيدا أو حزينا أو لديه ظرف ما أو يقضى وقت لطيف مع صديقه أو يفضفض أو يخرج للتنزه أو للسفر والاستمتاع، كلها تفاصيل تخص فردين أو مجموعة أفراد فى حال كانت مجموعة كبيرة من الأصدقاء.
تخيل معى لو فعل الأصدقاء كما يفعل الأزواج، فيحمل كل منهم الآخر مسئوليات تجاه أهله، فيطلب منه خدمة أمه المريضة أو إقراض أخاه بعض المال أو البحث عن عمل لابن عمه أو أن يقله بسيارته لشراء أجهزة كهربائية لأخته أو أخذ ابن أخته للطبيب لأنه مريض أو التواجد فى كل الأفراح والمآتم وحفلات أعياد الميلاد التى تقام فى عائلته أو يلزمه بالتواجد فى كل الأعياد والمناسبات التى تخص عائلته وأن يقوم بالمذاكرة لأحد أطفال أسرته ويشترى الفاكهة والخضروات واللحوم والألبان والأدوية والمنظفات لعائلته.
هل ستصمد هذه الصداقة بهذا الشكل ؟؟؟؟
هذا ما نفعله فى علاقة الزواج، بدلا من أن نجعله علاقة بين إثنين يتنزهان ويسهران وينجحان ويتقربان من بعضهما ويسعدان ويستمتعان ويحتسيان القهوة سوياً ويفضفضان ويضحكان ويأكلان ويعملان، وتصبح هذه الأمور هى شغلهم الشاغل، نجعل الزواج مسئولية تجاه أهل الزوج ومسئولية تجاه أهل الزوجة ومسئولية مادية ومسئولية تربية الأبناء ومسئولية تجاه الجيران ومسئولية تأمين المستقبل ومحاولة كل طرف إلقاء أكبر قدر من الأعباء على الطرف الآخر.
فنفشل العلاقة بأيدينا.
لا يمكن أن نقول أن الزواج خالى من المسئوليات وأن تحمل مسئولية الأبناء والبيت أشياء ثانوية ولا ضرورة لها.
ولكن يمكن محاولة تقليل هذه المنغصات التى تفسد أى علاقة وتخنقها إلى الحد الأدنى والضرورى قدر المستطاع، ومحاولة مضاعفة ما يقوى العلاقة بينهما فى المقابل، من محاولة تبادل الهدايا والكلام اللطيف والضحكات الظريفة والجلسات الجميلة، فلا يكون الحديث كله عن الأقساط ومصروفات المدرسة والجمعيات والديون والخلافات والصراخ.
فالجلسات والضحكات والهدايا هى التى تقيم الزواج وتسنده، وليست المسئوليات تجاه أهل الشريك أو الأبناء أو تأمين المستقبل.
فهذه المسئوليات حتى ولو قام بها أصحابها على أكمل وجه وأبهى صورة ولكن ما من تواصل ولا سهرات ولا فضفضات ولا تنزهات، فسيستسلم هذا الزواج للانهيار وإن بدى مستمراً.
فنحن وإن كنا لا نستطيع إغفال مسئوليات الزواج المتشعبة والمعقدة فعلى الأقل نقوى الجانب الذى فى أيدينا والذى قد يدفعنا ويدقع الزواج إلى الإستمرار والتماسك والوصول لحال أفضل وأكثر راحة وأقل عناء.