المهندس يكسب
مادة الرياضيات من المواد المحببة إلى قلبى جداً، ودائماً ما تكون من أسعد الأوقات فى مذاكرتى لأولادى.
ولأن أولادى لا يرون جدوى من دراسة مادة الرياضيات ولا من أى مادة ولا من التعليم على الإطلاق، كنت أحاول إقناعهم بأهمية علم الرياضيات فى كل جلسة مذاكرة؛ وكلما سألنى أحدهم ( هو إيه لازمة الماث ده ؟)، فأقول إنه يرتب العقل ويرتب عمل الدماغ والإلتزام بخطوات حل المسائل الرياضية تساعد الإنسان فى التخطيط لحل كل مشكلاته فى الحياة كما تعلمه الصبر فى انتظار النتائج، وأن العقلية الغير رياضية لا تنجح فى التخطيط لمستقبلها ولا فى حل الأزمات، فالأمر ليس أرقاماً وإنما أسلوب تفكير يخدم العقل فيخدم السلوك، كما أن الرياضيات قد تمنع الزهايمر واختلال وظائف العقل، كما تساعد على الإبداع والإتيان بأفكار لم يعرفها أحد من قبل.
وكلما جلسنا فى جلسة مذاكرة الرياضيات وبدأ أحدهم بالسؤال إياه ( هو إيه لازمة الماث ده ؟ )، أبدأ بعرض الأسطوانة إياها؛ إن الرياضيات ترتب العقل وترتب عمل الدماغ ……
وهذه بالفعل هى الحقيقة التى أراها فى المهندسين ومحبى الهندسة والرياضيات، فهم بالفعل يتمتعون بالتركيز الشديد ورسم طريق لهم فى كل شئ، طريق فى التدين وطريق فى تربية أبنائهم وطريق فى التعامل مع الجيران وطريق فى التعامل مع الجنس الآخر وطريق فى التعامل مع شريك الحياة، طريق يخططون له ويضعون قواعده الثابتة فيصبح التعامل سهلاً ومريحاً.
واضحون جداً وإن كان بعضهم صدامياً، إلا أن الوضوح فى حد ذاته ميزة عظمى لكل من يتعامل به ويسير على هداه فى المعاملات ويريح الناس من الحيرة والشكوك واللبس واختلاط الأمور، وهذه ميزة يتميز بها معظم من يعملون بالهندسة ممن عرفتهم وتعاملت معهم، فالوضوح ميزة تغلب كل العيوب فى أى شخصية من وجهة نظرى.
يتميزون بالهدوء الداخلى النابع من مكان عميق، هدوء داخلى حقيقى وليس خارجى ( فيبدو هادئاً بينما هو مضطرب داخلياً )، بل هدوء نابع من حسن الترتيب والتنظيم الذى تحدثنا عنه فى البداية، الهدوء النابع من عقل منظم ومرتب، إعتاد على هذا الترتيب والتنظيم فأصبح أسلوب حياة لا يتزعزع، فحتى وإن كانت أصواتهم عالية أو شديدى الإنفعال والعصبية، إلا أن هناك شئ من الهدوء فى مكان ما داخلهم.
بعضهم يميل إلى النقد أغلب الوقت أو نقد أمور قد يمكن تخطيها، ولكن يشفع لهم فى ذلك شدة الدقة التى يسيرون عليها فى دراستهم أو عملهم والتى برمجت عقولهم على التركيز على التفصيلات الصغيرة قبل الكبيرة، كما أن روح النقد داخلهم هى التى تقودهم إلى الإبداع، فالتركيز فى التفاصيل مع حسن استغلال مهارات النقد، هما سر الإبداع، فهم مبدعون حقاً فى الحديث قبل أن يبدعوا فى مبنى أو كوبرى أو طريق أو جهاز أو قطعة ديكور.
عندهم وفرة فى الذكاء لأنهم تعودوا على الفهم والتحليل والتمحيص واللف حول المسائل والعقد الرياضية، فأصبحوا يقلبون كل الأمور فى رؤوسهم قبل البدء بالتصرف والإعلان عن حل أو نتيجة.
كلما تقدموا فى العمر كلما تمكنت منهم صفاتهم ومميزاتهم، لا تتراجع كما هو الحال فى معظم المهن الأخرى.
فلو قارنت مهندساً مع شخصاً آخر يعمل فى أى مهنة أياً كانت، لوجدت أن ( المهندس يكسب ).
لديهم قدرة عالية على الإقناع يعززها الهدوء الذى لديهم مع الاستعانة بالحجج والبراهين التى تعودوا عليهم فى دراستهم مع الإبداع الناتج عن الدقة والنقد، فتجدهم يقنعون الناس بأقل مجهود وفى أسرع وقت.
كم جميل أن تجد مهندساً بهذه العقلية ولكنه إنسانياً، يعتقد فى العلوم الإنسانية ويرى جدواها ويحترمها، ويقدر أهميتها، هكذا يكون شخص مكتمل الأركان، يتحلى بأحلى الحلويات وأفضل الأفاضل.