لماذا نجح فيلم الجوكر
بصرف النظر عن أن أفلام الرعب والجريمة والجنس هم الأكثر مشاهدة والأكثر انتشاراً فى المطلق، إلا أننا لا نزال نفترض أن نجاح أى فيلم سينمائى يعتمد على القدر الذى يمس به هذا الفيلم مشاعر الجماهير ويوقظ داخلهم شعوراً مكبوتاً أو مستوراً بشكل ما برغبة أصحابه أو رغماً عنهم.
كلما شعر المُشاهد أن الفيلم يعبر عنه وعن مشاعره كلما أعجبه الفيلم وأبكاه وأسعده وأراحه وأحزنه وسبب له العديد من الأحاسيس التى يتمناها والتى قد تكون متناقضة ولكنها تشعره أن هناك من يشعر بما يشعر به ويرى الأمور من نفس الزاوية التى يراها منها.
فيلم Joker إنتشر انتشاراً واسعاً وحقق إيرادات 1.074مليار دولار.
لماذا ؟
هل هذا لاعتبارات التصوير والإخراج والموسيقى وأداء البطل والممثلين فقط ؟
لا، بل لأنه أثر فى عدد كبير من المشاهدين وأشعرهم أنه يعبر عنهم ولو فى فترة معينة من حياتهم أو حتى فى موقف ما وإن كان من سنوات طويلة.
وبصرف النظر عن أن الفيلم يؤكد طوال الوقت على تعاطف الشارع مع رجل قاتل وأن معظم الناس اعتبروه رمزاً، إلا أن فكرة الإنهيار الأخلاقى والدينى والإلتزامى والإنسانى تشيع وتنتشر دون رادع، هى فكرته الرئيسية من وجهة نظرى.
فالجميع يصرخون فى وجوه الجميع والصخب والانحطاط والظلم والتوتر وزحام الشرور الذى يملأ كل مكان، وهذا هو ما أدى إلى تحول المهرج الطيب إلى قاتل بقلب ميت، يأخذ قرار قتل إنسان بمنتهى السرعة وينفذه بمنتهى الحسم وبلا أى ندم.
وعلى الرغم من أن البطل تحول إلى قاتل محترف فى وقت قياسى إلا أنه لم يفقد طيبته وعطفه على من كان يحسن إليه ويعطف عليه، ولكنه يريد أن يعيش بلا ظلم، يريد حقه الذى يُنتزع منه انتزاعاً فى كل مكان؛ فى القطار يضربه ثلاث رجال لمجرد أنه يضحك بصوت عالٍ نتيجة إضطراب نفسى عنده ويحاول علاجه، وفى الأتوبيس يلاعب طفلاً ويبتسم له دون أن يلمسه، فتهينه أم الطفل وتتهمه بمضايقة طفلها على الرغم من سعادة الطفل بملاعبة البطل، حتى أمه التى كان يعتنى بها حق العناية ويبرها كل البر يكتشف أنها ليست أمه وأنها كانت تعذبه فى طفولته بعد أن تبنته.
زميله فى العمل يجبره على أخذ سلاحاً منه والاحتفاظ به، ثم يخبر رئيس العمل بأنه يمتلك سلاحاً وهذا من الخطر فى التعامل مع الأطفال كونه مهرجاً ويتعامل مع أطفال.
المذيع الذى طلبه ضيفاً فى برنامجه وجعله يظن أنه سيحصل على الشهرة وتنفتح له أبواب العمل، أتى به إلى برنامجه ليسخر منه على شاشة التلفزيون أمام الجميع.
العيادات النفسية التى كان يذهب للعلاج النفسى بها وشراء علاجه أغلقتها الحكومة، ثلاثة مراهقين سخفاء يأخذون منه اللوحة التى يستخدمها فى أداء عروضه كمهرج ويكسرونها على رأسه ويبرحونه ضرباً للحصول على السعادة والاستمتاع بإيذاء الآخرين، دون أن يفعل هو أى شئ يستدعى كل هذا الإيذاء.
لو كانت هذه الأحداث تحدث فى حياته وبشكل دائم، وقد أصيب بالفعل بالمرض النفسى، كيف كان يمكن له أن يأخذ حقه فى هذا المستنقع العفن الكريه إلا بقتل بعض هؤلاء الذين تسببوا فى إيذائه بشكل كبير ؟
بالطبع هذا ليس تحريض منى على إستساغة القتل ولا حتى من مؤسسى العمل.
ولكن هل أظهر الفيلم مدى الهوة العميقة التى تفصلنا عن الإنسانية والعدالة ؟
نعم.
هل اقترب عن طريق البطل من مشاعر كل مقهور ؟
نعم.
نعود لنقطة لماذا أخذ هذا الفيلم هذه الشهرة الواسعة وحقق هذه الإيرادات الخيالية ؟
لأنه يعبر عن الناس أو معظم الناس، يعبر عن الضجيج والاضطراب والاختلال والفوضى التى تملأ الكون، والشرور والأحقاد والسوء والشغب الذى يملأ كل مكان وبلا مبرر، فهو لا يعلم سبب واحد لأى إيذاء وقع عليه من كل الأمثلة التى ذكرتها عن معاناته.
(طب احنا ليه بنقول إن الدنيا بقت كدا صعبة ومينفعش نستمر كدا ؟)
هل لكى ننشر سلبيات ونندب ونلطم خدودنا ونتمنى الموت ؟
بالطبع، لا، ولكنه سبيل لعرض ما نفعله أمام أعيننا، فنقر بوجوده أولاً ،فنرفض وجوده بيننا ثانياً، فنغيره ثالثاً.
ولكن إن كنا ننكر كل هذا الإعوجاج واختلال المعايير، ونكرر فى كل مكان ( لا، الدنيا بخير، ولسه فيه ناس كويسين، ومتبصوش نظرة سوداوية ) فكيف سنحرك هذه الصخور من القاع ونخرجها من عالمنا إن كان هؤلاء الأشرار بجدون من يبرر أفعالهم ؟
بإنكارنا التام وإدعاء أن الناس جميعاً طيبون ويحبون الخير للجميع وليست الحياة سيئة وليس هناك من علة ( والدنيا حلوة والناس حلوين ) كيف سنصلح ما يزعجنا إذاً إذا كنا ننكره أساساً ؟
وكيف سنتأقلم مع هذا الوضع الذى يزداد سوءاً فتكبر المأساة كلما أكدنا على أن الخير ينتشر فى كل الربوع وأن الناس أطهار كالملائكة وأن الحياة الدنيا والتى سماها الله الدنيا من دناءتها؛ جميلة وسعيدة ومريحة ولا تحتاج إلى أى تنقيح.
فى الغالب ما أشعر أن معظم هؤلاء الذين يقولون بجمال الحياة الدنيا ونعيمها ويمتدحون الوضع المزرى القائم ومتناغمون ومتناسقون معه، ما هم إلا جزءاً منه !