اللى اختشوا ماتوا
الأمثال الشعبية هى أقوال شهيرة تدوالتها الأجيال على إختلافها بناءاً على قصة معينة أو موقف محدد، فطبقناها ومارسناها فعلياً فى الواقع فى كل المواقف !
منهم على سبيل المثال مثل شهير جداً يقول ( اللى اختشوا ماتوا )، وأغلبنا نعلم قصة هذا المثل وهى أنه فى الأربعينات أو الخمسينات كانت تنتشر حمامات للاستحمام بالمياه الساخنة عن طريق التسخين من خلال أفران كبيرة، وأن أحد هذه الحمامات إشتعلت فيه النيران، تقول بعض الروايات أنه كان حماماً للنساء وبعضها الآخر أنه للرجال؛ المهم أن داخل الحمام أناس يستحمون بلا ملابس، بعضهم هرب من الموت وبالطبع خرجوا بلا ملابس وبعضهم فضلوا الموت على الخروج عرايا فماتوا، فتبنى فرداً أو بعض الأفراد فكرة أن الذين استحوا أن يخرجوا عرايا إرتكبوا خطأ، لأنه كان سبباً فى فقدان حياتهم بشكل غير لطيف، وأن الحياء والخزى سلمهم إلى الموت تسليماً، فأعجبت الفكرة البعض ولكن ليس الفكرة ( على بعضها ) وهى ألا يفقد الإنسان حياته مقابل شعوره بالحياء مثلاً، وإنما نبذوا فكرة الشعور بالخزى والحياء فى المطلق، إستناداً على أن الحياء يقتل صاحبه !
واستشرى الأمر على هذا الأساس؛ أن الشخص الحيي شخص ضعيف وخائب ومتأخر ومهمَل، بل واستبدلنا المعايير التى هى بدورها مختلة، فجعلنا البعض يشعر بالخزى من الصواب بينما الخطأ يشعر معه بالجرأة.
فمثلاً الخاطب يتجرأ على خطيبته ويتجاوز الحدود، فيمسك يدها ثم يقبلها ثم يحتضنها ثم يتجاوز البعض لما هو أكثر من ذلك.
وهو فى الأساس ليس له أى حقوق وحتى يكتب الكتاب؛ فمثله مثل أى رجل يسير فى الشارع، ولكنه يرى أنه من الجرأة والشجاعة أن يتجاوز حدوده وإلا سيكون مغفلاً ويسخر منه أهله وأصدقائه ( فهو يحكى كل شئ للجميع ) !
أما الرجل الذى يلتزم بحدوده ويعلم أنه ما من حقوق له على الفتاة المخطوبة، فهذا مشكوك فى رجولته ( ومش ولابد) !
فى إحدى حفلات الخطوبة والتى من المفترض أنه ما من تجاوز بين العروسين، وإذا بالعروس هى التى تتشعبط وتتمسح فى العريس وهو متشنج كل التشنج ويحاول أن ينأى بنفسه عن الشيطان والذنوب والعروس لا تكف عن التلصيق، وبدلاً من أن يوجهها أحد إلى الإلتزام بالآداب، إتهموا العريس بأسخف الاتهامات بداية من أنه قليل الذوق وصولاً إلى أنه ناقص الذكورة والرجولة معاً !
فى إحتفالية أخرى وكانت زفافاً وإذا بالفقرة السخيفة جداً التى يأتى فيها أشخاصاً بكعكة الزفاف ويركز المصورون على العروسين وهما يطعم كلاً منهما الآخر فى فمه، ثم يأتى شخص سمج ويقدم لهما قطعة صغيرة جداً من الكعكة فى نفس الشوكة ليأكلاها معاً، وعندما يقترب العروسين يسحب هذا الشخص السمج الشوكة فيقبلا بعضهما أمام الناس، والحاضرون فى منتهى التركيز.
دائماً ما أحب أن أطالع وجوه الحاضرين فى هذه الأوقات لأجدهم متلهفون بشكل مضحك.
المهم أنه فى مشهد لم أره من قبل وجدت العريس وهو رجل محترم جدا ولا يرضيه أن يقبل شفاه زوجته أمام كل هذه العيون التى ستقفز على طاولة الكعكة من أجل مشاهدة قبلة، يأخذ الشوكة ليطعم عروسه وتأخذ العروس الشوكة لتطعم عريسها، ثم يشير هذا العريس للشخص السمج إياه، بأنه ما من داعٍ لمرحلة سحب الشوكة ( والحركات الظريفة دى ).
الناس تسكت ؟
لاااااااا، إزاى ؟
فعلوا معه مثل ما كان مع الخاطب الملتزم الذى حكينا قصته منذ قليل بل وأكثر، فقد أفسد إستمتاعهم بالمشاهدة !
نحن لسنا فقط نهاجم الحياء بل نروج للابتذال !
وهذا ما نفعله مع الذى يحاول أن يلحق الصلوات قبل ضياعها، فيضطر للصلاة فى طريق سفر أو فى إحدى المحلات لعدم توفر مسجد فى المكان أو فى وسط إحتفالية قائمة أو يتكبد خلع حذائه أو حجابها وخلع الجورب والبحث عن مكان للوضوء، فيصبح هذا الشخص غريباً ونقول ( على ايه ده كله، ما يصلى لما يروح وخلاص ) !
نحن لسنا فقط نضيع الفروض بل نهاجم من يحاول الاتزام بها !
فيصبح الذى يحاول اللحاق بمواقيت الصلاة قبل فواتها محرجاً وشاعراً بالغربة والوحشة بل وبالوصمة !
كذلك عندما يذهب شخص طبيعى لقضاء بعض الوقت للترفيه فى الصيف فيسافر للاستمتاع بضعة أيام فيجد أناس لو قيل عنهم أنهم عراة ما ظُلموا، يسبحون ويستعرضون أجسادهم التى هى فى الغالب وبكل حيادية غير جميلة، ولكنهم يلتزمون بقواعد المكان وقواعد مجموعتهم وذويهم، والأصدقاء القدامى بل وأحياناً زملاء العمل يجتمعون بزوجاتهم والجميع بالمايوهات التى لا تخفى أجساداً وإنما تخفى كل ما يمكن أن يشير إلى أخلاق أو إلتزام.
لو كان بينهم واحداً أو واحدة بملابسه ( بملابسها ) لاتهموها بالغرابة والتخلف وعدم الإلتزام ( طب هو جاى ليه ؟ هى جاية ليه ؟).
نحن لسنا فقط نشجع العرى بل نهاجم الذين يلبسون أى ملابس، ليس الحجاب أو الاحتشام ( ده احنا مش عايزين حد يبقى لابس أصلاً ).
تخيل ثلة من الرجال وأنا آسفة كل الأسف أن أقول أنهم رجال وكل واحد منهم ومعه زوجته شبه عارية وجميعهم رجالاً ونساءاً يلعبون معاً بملابس لا تسمن ولا تغنى من جوع !!!!!!
هذا تماماً ما يحدث مع الصديق الذى لا يشارك أصدقائه مشاهدة الأفلام الإباحية أو تناول المخدرات أو التحرش بالفتيات، وهو ما يحدث مع الفتاة التى إرتدت الحجاب وصديقاتها لم تفعلن أو ترفض أن تقيم علاقات مع زملاء المدرسة أو الجامعة أو العمل بينما صديقاتها تقمن العلاقات وتستمتعن أو الملتزمة فى ملابسها بينما صديقاتها وزميلاتها عايشين سنهم فى الخلاعة والمجون !
هل تعلم لماذا أغلب المعايير عندنا مختلة ؟
لأننا نعتقد إعتقاداً راسخاً بأن ( اللى اختشوا ماتوا، يبقى لازم منختشيش ) !