مقالات نورا عبد الفتاح

شفتوا السكوت مريح ازاى

عندما تحتاج النساء إلى المساعدة تطلبها، عندما تفقد الطريق تسأل عن الطريق، عندما تعلم بضعفها الجسدى أمام شئ أو كائن تخبر بذلك، سهلة جداً، والعجيب أنها تنال ما تريد، حتى مع فشلها فى أدائه بمفردها، بل وتناله وبسهولة شديدة وسرعة هائلة.

ذات مرة وكنت فى أحد الميكروباصات، صعدت سيدة فى حوالى الستين يبدو عليها أنها ( strong independant woman ) فى نفسها، صعدت إلى أعلى الميكروباص بصعوبة بالغة لأنها على ما يبدو أن مفصل ركبتها كما هو حال أغلب النساء فى هذا السن على غير ما يرام، إلا أن أحداً لم يلتفت إليها ولم يحاول مساعدتها فى الصعود والاستقرار على كرسى !

بعد قليل صعدت إمرأة أخرى فى نفس السن تقريباً، مفصل ركبتها بنفس حال مفصل السيدة الأولى ولا تستطيع الصعود ولكن بدى عليها أنها ( مش strong independant خالص )، وحاولت محاولة وحيدة للصعود وفشلت، ( هوبا)  فإذا بجميع الركاب يهمون بمساعدتها فى الصعود وإجلاسها فى مكان مريح وبجانب النافذة، ويسألونها أين ستنزل !!
نالت فوق ما تتمنى لمجرد أنها أظهرت ضعفها وحاجتها للمساعدة.

شفتوا الضعف حلو إزاى ؟

أليست هذه ملَكة وقدرة خاصة تتفرد بها النساء وليست نقصاً أو عيباً؛ إنها ملكة تجعل كل من حولها يقوم بخدمتها بلا أى مقابل.

لى صديقتين إحداهما من معسكر القويات والثانية من معسكر الضعيفات؛ كانت الأولى دائماً عندما يحدث لها أى مشكلات فى سيارتها التى اشترتها بأموالها الخاصة تتصرف بمفردها، تبدل إطار السيارة بمفردها، أو تلعب فى أى جزء من السيارة لعباً عشوائياً حتى تعمل وإن ساءت الأمور تتصل بالميكانيكى يأتى إليها أو تتصل لطلب ونش ليأخذها بسيارتها، ذات يوم وكانت عائدة من سهرة وترتدى ملابس سواريه وإذا بإطار السيارة مشقوقاً شقاً يستحيل معه السير، وهى تخشى على ملابسها ولا تستطيع تبديله وهى ترتديها، فاتصلت بزوجها، وطلبت منه المجئ فقال لها ( ما انتى بتغيريها على طول، اتصرفى، الوقت بيتأخر )، فحاولت ووجدت أن حال الإطار منهار تماماً لدرجة جعلت فكه من مكانه صعباً للغاية، فاتصلت بزوجها ثانية وأخبرته بفشلها فى تبديله وتطلب منه المجئ، فقال لها ( طيب ماشي هاجى )، فانتظرته حوالى 50 دقيقة ولم يأتى، فاستوقفت سائق سيارة نقل، ساعدها فى تبديل الإطار وعادت إلى البيت لتجد زوجها نائمااااااً !

أما الصديقة الثانية فبمجرد أن تحدث أى مشكلة فى سيارتها التى اشتراها لها زوجها بماله الخاص ولو تافهة، تتصل به على الفور، فيطلب منها ( اعمليلى share location ) وسيبيها واركبى تاكس وانا هاتصرف !!

شفتوا الضعف مريح إزاى ؟ 

كذلك الأمهات من الأمور المحيرة جداً، فهى لا تتحمل مسئولية النفقة وتصرخ فى الأبناء ليلا ونهارا ( صلوا، ذاكروا، كلوا…)، لا يحترمها أى مخلوق فى البيت من الكبير للصغير فالجميع يتحدث معها بامتهان وعدم اكتراث، يرفعون أصواتهم على صوتها، أحياناً يقذفها كل أفراد البيت من الزوج والأبناء بالشتائم والضربات ( قال إيه بيهزروا )، إلا أن تمرض أو تموت،( هوبا، الدنيا بتتقلب وكل حاجة بتبوظ ) فتجد تيه تام لكل فرد فى الأسرة وكأنهم ضاعوا، وكأن القيامة قامت !

ومحدش فاهم هما مش بيعملوا كدا مع الأب ليه ؟
مع أنه هو المصدر الرئيسى للدخل ولا يصرخ فى أحد ولا يركز فى أفعالهم فيخنقهم، ويتغيب طويلاً ومتوقع أن يفتقدونه مثلاً !

ولكن ما يحدث شئ غريب !
ربما لأنه لا ينال ما تناله هى من الإهانة، حتى ينال ما تناله من مكانة !
ربما.

إذا ثار زوجها وصرخ فى وجهها فسكتت ستكسب الجولة بلا كلمة واحدة وبلا ثورة وحرق أعصاب وتوتر فى البيت وساعات طويلة من الجدال، تربح بالصمت، بلا أدنى مجهود.
والكلام الفاضى القائل ( دى ضعيفة ومهزأة ) ليس فى محله، بل على العكس، لقد سيطرت على غضبها وهذا عين القوة، أما الزوج وهو الأضعف فى هذا الوقت حيث لم يحكم نفسه ويكظم غضبه !

أما القوية مهما حاولت إثبات حقها أو وجهة نظرها، لا سيما مع رجل يرى قوته فى إضعاف من حوله، فلن تفيد أو تستفيد من أى جدال أو حوار سلبى لن يجلب لها إلا ضياع الوقت والخسارة فى كل الجولات !

السكوت أمام ثورة الزوج هو الورقة الرابحة والسلاح الذى لا يخيب، وهو الخيار الوحيد الذى يسمح للزوج بمراجعة نفسه ومحاولة الإعتذار بعد ذلك !

أذكر يوماً فى بداية أول عام دراسى تالى لانتشار فيروس كورونا، قامت إدارة المدرسة التى ينتمى إليها أولادى بتقسيم الفصول الدراسية كلها إلى نصفين لتقليل كثافة الطلاب، وتحقيق التباعد الاجتماعى، ونشرت المدرسة قوائم الفصول الدراسية بعد التقسيم؛ وإذا ببعض الطلبة من بينهم إبنى قد انتقلوا إلى فصول أخرى تماماً فالأمر ليس تقسيماً، بل تغييراً.

فطلب منى إبنى الذهاب إلى المدرسة ونقله مع زملائه الذين يشاركهم الفصل منذ العام الأول فى المدرسة لعِشرة أكثر من عشر سنوات، لأن النقل لا يتم إلا من خلال ولى الأمر.

فقلت له ( هاحاول ) فقال لى ( لا، انقلينى، مافيش حاجة اسمها هاحاول ) !

فذهبت إلى المدرسة وجدت إحدى الأمهات داخل غرفة الموظف المختص، تتجاذب معه أطراف الحوار بشكل غير مريح على ما بدى للخارج لأن جدران الغرفة كلها زجاجية، جاءت إحدى الأمهات ووقفت بجانبى وسألتنى ( إنتى عايزة تنقلى حد بردو ) فقلت لها ( آه ) فقالت ( وأنا كمان، بس بيقولوا إنه مبيرضاش خالص ينقل حد، بس أنا هانقل بنتى مهما حصل، إن شالله أتخانق معاه ).

وخرجت الأم التى كانت فى الداخل فسألتها التى كانت تقف معى ( وافق ؟) فقالت لها الأولى ( خاااالص، متحاوليش ) !

فدخلت الثانية وبدى عليها الشر من البداية وكأنها أخذت القرار بنقل ابنتها وستجبره جبراً وبالطبع لم يوافق الموظف وبدى من الجدران الزجاجية محاولات مستميتة لإقناعه ولكن بدى عليه الثبات التام على موقفه وبعد فترة غير قصيرة من الزمن إستسلمت الأم وخرجت وهى تهمهم وتقريباً تدعو عليه وتوجه الشتائم فى سرها.

أخبرتنى السكرتيرة أن أدخل ففتحت الباب بخوف من الفشل الوشيك، فوجدته منهمكاً ومنشغلاً، ففكرت أن أغير منهج الأمهات السابقات اللاتى فشلن كل الفشل، فسألته فى رجاء ( أدخل) فقال ( إتفضلى أقعدى ؟ )
فقلت بمسكنة وكأننى أرجوه ( أدخل ؟ يعنى هتنقل لى ابنى ؟)
فقال ( بردو ؟)

وبدأ ينفعل ويثور ويعلو صوته قليلاً ويقول كلاماً يدور حول مدى صعوبة إعادة ترتيب الطلبة وأن هذا التباعد والتغيير من مصلحتهم للحفاظ على صحتهم وأن قضية الأصدقاء هذه لا مجال لها فى مثل هذه الأزمات وأننا كأولياء أمور علينا مساعدة المدرسة فى هذا الدور، لا العكس واسترسل طويلاً، ولم أكن أنوى الرد عليه مطلقاً، أولاً لأن معه كل الحق فيما يقول وثانياً لأننى مقررة الصمت حتى أحصل على نقل إبنى مع أصدقائه مهما قال الموظف أو انفعل.

وبالفعل تركته ( يخلص تاره من كل الأمهات اللاتى تشاجرن معه قبل دخولى ) ويقول كل ما فى نفسه، حتى انتهى، وفجأة نظر إلى شاشة الكمبيوتر أمامه وسألنى ( إسمه إيه ).
ولم ينقله فقط، بل بحث عن المجموعة المقربة له، ليضعه معهم، فلقد كان فصله مقسم إلى ثلاث فصول، فسألنى عن أسماء أصدقائه المقربين ليضعه فى المجموعة التى يبغيها.

لقد انتصرت بالصمت !
نلت بالصمت ما لم تنله الأمهات الأخريات بالصراخ !

هذا ما يسميه البعض ( قوة المرأة فى ضعفها ) فهى تنال ما يجب أن يأتى بالقوة، بلا أى قوة !

ولكن عليها التمييز متى وكيف ومع من تكون ضعيفة ومتى وكيف ومع من تكون قوية، ومتى تخلق مزيجاً من القوة والضعف معاً ؟ !

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع