تحليل شخصيات درامية

يرقص مع الذئاب ل ( كيفين كوستنر)



يرقص مع الذئاب (Dances with Wolves) فيلم أمريكي أنتج عام 1990.



الفيلم من إخراج وإنتاج وبطولة( كيفين كوستنر )و(مارى ماكدونيل)

الفيلم اقتباس من كتاب لمايكل بليك الذي صدر فى عام 1988 وكان يحمل نفس الاسم، تدور أحداثه في عهد الحرب الأهلية الأمريكية.

ويحكي الفيلم قصة ملازم في جيش الاتحاد الذى يسافر إلى الحدود الأمريكية نحو موقع عسكري نائي، ويقابل مجموعة من هنود( اللاكوتا).

من أكثر ما يجذب الانتباه فى الفيلم من بدايته هو قلة كلام البطل وشرود ذهنه فى ذات الوقت وتوجسه وترقبه وذعره الذى يصارع شجاعته وحسن تصرفه طوال الوقت، فهو فى طريقه إلى الموقع العسكرى حيث يحتاج الموقع إلى إمدادات كثيرة والطريق طويل وشاق للغاية وها هو شارد طوال الطريق حيث أنه لا يعرف الطريق ويعتمد على شخص غريب يأخذه معه لأنه سيأخذ الامدادات فى عربة تجرها أحصنة، فهو يذهب مع الرجل معتمدٱ على معرفة الرجل بالطريق.

مترقبٱ من توقع الأذى من الرجل ومن توقع أى نوع من الأذى أثناء الطريق الشاق والطويل فى الصحراء ويتوقع فشلهم فى الوصول إلى المكان المرجو، فتجده صامتٱ لا يتحدث إلا قليلٱ وحتى عند الحديث يختصر الرد.

وإذا بالرجل يوصله ويجد الحصن الذى كان آتيٱ إليه بعربة كبيرة من الامدادات خاليٱ تمامٱ من الجنود وليس به شخصٱ واحدٱ، فهو لا يعلم أن قائدهم إستبطأ الإمدادات فأمرهم بالعودة وترك الموقع، ويقول له الرجل الذى أوصله؛ لا تخف سأعود وأخبرهم بمكانك وبأنك وحيدٱ فى الحصن، ولكنه بعد أيام يجد عربة السائق لدى جماعة الهنود، فيعلم أنه تم قتله على أيديهم وأن لا أحد سيعرف مكانه.

فيضطر هو للمكوث بمفرده وسط الصحراء والظلام والأمطار والذئاب والحيوانات البرية، فكان يخشى إطفاء الضوء الذى هو عبارة عن ( لمبة جاز) ويصاب بالذعر كلما تحرك حصانه أو أى حيوان قريب منه، حتى بدأ يصادق ذئبٱ ويطعمه ويقيم معه علاقة لطيفة ومختلفة فى نوعها بدأت بالنظرات ولغة العيون التى فهم كلٱ منهما؛ أن هناك أملٱ فى قيام صداقة تسلى كلٱ منهما بالآخر فكلاهما وحيدٱ.

وإذا به يستمر فى قلة الكلام وفى بحر من التساؤلات؛ هل سيأتى الرجال إلى الحصن؟، هل خرجوا فضلوا الطريق؟، لماذا رحلوا وإلى أين ؟، هل سيعرف أحد مكانه؟، هل هؤلاء الهنود يمكن التفاهم معهم أم الرمى بالسهام هو الطريقة الوحيدة للنقاش؟ وغيرها من التساؤلات.

ولكنه كان ينشغل بدلٱ من أن يُجَن؛ كان يتجول فى البرارى، يقوم بتحسينات فى المكان ويتعرف على الحيوانات ويحاول التحايل على بطء الوقت وطول الليل بل والنهار أيضٱ.
كان الشروق يخلق داخله الأمل ويدفعه للاستمرار وانتظار التعزيزات.

كان يخشى أى هنديٱ يقترب من حصنه أو حتى بعيدٱ عنه، ولكنه وجد أنه لا مفر من مواجهتهم بهدوء ومحاولة التعرف عليهم وإفادتهم بأى شكل حتى يستبعدوا فكرة قتله طالما ينتفعون منه.


تدريجيٱ بدأ الحديث مع أعقلهم وأرجحهم فكرٱ والذى أقنع عشيرته أن (هذا الرجل يعرف عن أمور لا نعلمها )ويعرف السكر الذى لم يروه قط ويحدثه عن الجاموس البرى الذى ينتظرونه لاطعام صغارهم وقد تأخر عليهم.

وهو يحاول التفاهم معهم فهو لا يعرف لغتهم ولا يعرفون لغته، وهو يعلم أنه غير مرحب به فهو أمريكى أبيض، كل ما يحلم به أن تثمر مفاوضاته مع الهنود فيأمنون وجوده ويأمن تواجده معهم، فالأمل فى العودة ضعيف بل مستحيل فى الوقت الحالى.

كان قد جاء إلى الحصن وهو يعرف أنه محاط بالهنود وكانت لديه فكرة مسبقة عنهم كوّنها مما سمعه ليس مما رآه، أنهم همج ورعاع وكسالى ومتخلفون، ولكنه بعدما انضم إليهم وجدهم نشيطون، طيبون، منظمون، وطنيون حريصون على أراضيهم، يكدون فى العمل ويكدون فى البحث عن الغذاء، فها هم يخوضون معركة ضارية مع قطعان الجاموس البرى ليوفروا الطعام.



ولا يعيبهم أبدٱ حرصهم على أراضيهم ولا يجعل منهم صيدٱ سهلٱ من قبل الجيش الأمريكى، يعقلون أمورهم ويتفهمون، فلقد أعطوه الفرصة لإقامة حوار ومفاوضات عندما قابلوا الرجل الأبيض لأول مرة ولم يناولوا منه أو يتصرفوا بحماقة وإنما تعرفوا عليه بهدوء وحاولوا الاستفادة منه قدر الإمكان والتعرف على ما معه من طعام جديد عليهم واستخدام أسلحة الموقع العسكرى الذى هو منوط بحراسته والمكوث به، استخدموه لمساعدتهم فى صيد الجاموس البرى وحل بعض المشكلات التى تخصهم وتخص عائلاتهم وطعامهم، حتى أنه تزوج منهم، تزوج إمرأة بيضاء كانت أسيرة لديهم وأخذوها منذ كانت صغيرة وعاشت معهم وتقبلوها وعاملوها كواحدة منهم، كما اعتبروه واحدٱ منهم.

ما فعلوه هذا يختلف كليٱ عما فعله ضباط جيشه عندما وصلوا إلى الموقع ووجدوه قد خلع الزى العسكرى الخاص به ويرتدى ملابس الهنود، لم يعطوه الفرصة لشرح ما حدث وإنما قابلوه بالتكبيل والضرب والإيذاء البدنى السريع والقاسى، وعندما حاول إقناع قائدهم أن الهنود ليسوا أعداءٱ وإنما هم أناس وطنيون يدافعون عن أرضهم، وأن ما يفعلوه الأمريكيون تعدى على أراضى الغير وظلم بيّن، لم يكن ردهم إلا بأنه خائن ولا يجوز سماعه والاستجابة له، وها هم قد غلبت همجيتهم وسوء تقديرهم همجية الهنود بمراحل.



فهم أناس يفكرون ليس بهم من الرعونة والحمق ما يزيد عن البيض فى شئ، بل على العكس فالاحتكاك المباشر بينه وبين البيض وبينه وبين هنود اللاكوتا، أسفر عن تغليب كفة الهنود على البيض.


حتى فى اختيارهم لأسمائهم يعبرون بها عن حدث هام فى حياة الشخص أو موقف معين وليس أى (اسم وخلاص) كما يفعل الكثيرون ممن يسمون أبنائهم أسماءٱ لا تتناسب مع محيطهم وظروف حياتهم وطريقة أفكارهم.

فمثلٱ( تقف بقبضتها) بطلة الفيلم سميت كذلك لأنها ردت على إيذاء إحدى النساء لها بضربة قوية بقبضتها أسقطت المرأة أرضٱ واعتقد الجميع أن قبضتها قاضية فسموها تقف بقبضتها، و( يرقص مع الذئاب) عندما رأوا الضابط يلاعب الذئب ويجرى معه والذئب بدوره يلاعبه أطلقوا عليه أنه يرقص مع الذئاب ولديه قدرات خاصة ومميزة، وكذلك كبيرهم ( الطائر الرافس)، وكذلك( عشرة دببة) الذى أثر فيه فراقه بشكل كبير.

مما أبرز حماقة البيض؛ استمتاعهم بإيذاء الذئب بإطلاق النار عليه وكأنهم يمزحون ويتبارون فى أيهم سينال منه وهم مستمتعون كل الاستمتاع.

والحصان أيضٱ قتلوه بكل السرعة فور رؤيته دون أى تردد وكأنه لا يساوى شيئٱ، إنهم يستحقون لقب ( همج) بكل جدارة.

أعقل الضابط كل ما يدور حوله واستطاع الفصل بين ما يسمع وما يرى من الطرفين وعزم أمره على الانضمام إلى هنود هذه المنطقة وأن يصبح واحدٱ منهم يحارب معهم من أجل أرضهم ولا يعاون البيض المعتدون على اغتصاب أراضى الغير.

وبعد ان قضى الهنود بمساعدة الضابط الأبيض على أفراد الجيش الأمريكى اضطر إلى الرحيل لأن الجيش الأمريكى سيعرف مكان الهنود من خلاله لو استمر فى المكوث معهم، وكان الوداع مؤثرٱ فهم يحملون له فضل مساعدتهم والتخلى عن عمله فى الجيش من أجلهم وتفهمه لحالهم وأنهم لا يستحقون الحرب، وهو حمل لهم جميلٱ؛ أنهم ضموه إليهم ولم يستسهلوا إيذائه أو قتله واعتبروه واحدٱ منهم وقبلوا عرضه بالزواج من واحدة منهم بل وساعدوه فى تجهيزات زواجه منها.


كل العلاقات المبنية على الاحترام وتذكر أفضال الطرف الآخر؛ يصعب نسيانها أو تخطيها وتظل ذكراها إلى الأبد ثابتة وقوية وتجلب السعادة كلما تذكرها صاحبها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع