قصة أصحاب السبت
يقول الله تعالى في سورة الأعراف: «وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ».
وقال سبحانه في سورة البقرة: «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ».
وجاء في سورة النساء: «أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًاً».
كان أصحاب السبت قوماً من بني إسرائيل، سكنوا إحدى المناطق الساحلية، ولم يبين القرآن الكريم اسم تلك المنطقة أو مكانها، لكن الله يريد منا أن نأخذ العبرة مما حدث معهم، وكان من شريعة بني إسرائيل كما بينا في قصة نبي الله يوشع عليه السلام وغيرها من قصص الأنبياء، أنهم لا يعملون يوم السبت، ولا ينشغلون بأمور الدنيا، وإنما يتفرغون لعبادة الله، فلا عمل فيه سوى التقرب إلى الله بأنواع العبادة المختلفة.
ولكثرة ذنوب ومعاصي أهل تلك القرية، أراد الله أن يعاقبهم، ويختبر إيمانهم ببلاء أنزله عليهم، مختلف عن أصناف الابتلاء الأخرى.
فلم يُنزل عليهم عذاباً، ولم يأخذهم بصيحة، ولم يزلزل الأرض من تحتهم، ولكنه تعالى حرمهم من صيد البحر وخيره، بأن جعل السمك يأتي للساحل يوم السبت بوفرة، فيراه الناس ويتعجبون من كثرته.
وما إن ينتهي ذلك اليوم حتى تبتعد الأسماك عن الشاطئ بقية أيام الأسبوع، وتختفي عن شباك أهل القرية، ثم تأتي في يوم السبت الذي يليه، حتى انهارت عزائم بني إسرائيل، وأرادوا أن يحتالوا على أمر الله تعالى لهم، بعدم الصيد في ذلك اليوم، فصنعوا الحواجز، وجهزوا الشباك في يوم الجمعة، فإذا جاءت الحيتان والأسماك يوم السبت دخلت إليها، وبقيت فيها حتى يأتي يوم الأحد، فيستخرجونها، وهكذا كانوا يحتالون على أمر الله تعالى بالخداع بارتكاب المحرم بطريقة غير مباشرة.
بعد هذه الحادثة، انقسم أهل القرية إلى ثلاث فرق، الأولى عاصية تصطاد بالحيلة وتحث عليها.
والثانية لا تعصي الله، وأنكرت ما فعله هؤلاء العصاة، فأخذت تنهرهم عن هذا الفعل، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتحذرهم من غضب الله.
أما الفرقة الثالثة فكانت لا تعصي الله تعالى، ولكنها اتخذت موقفاً سلبياً تجاه ما فعله العصاة، وسكتت عن المنكر وأهله، فكأن الأمر لا يعنيها.
ولم تنكر ما يُنتهك من أوامر الله، بل إنها لم تكتف بعدم إنكار المنكر بل كانت تتجادل مع الفرقة الناهية عنه، وتثبطها عن النصح والإرشاد، وتقول لها: «ما فائدة نصحكم لهؤلاء العصاة؟ إنهم لن يتوفقوا عن احتيالهم، وسيصيبهم من الله عذاب أليم بسبب أفعالهم. فلا جدوى من تحذيرهم بعدما كتب الله عليهم الهلاك لانتهاكهم حرماته».
وعلى الرغم من هذا التثبيط إلا أن الفرقة الناهية عن المنكر كانت تعرف أن دورها ليس إرغام الناس على اتباع سبل الهداية، وإنما بيان هذا الطريق والنصح إليه، والترغيب فيه، والنهي عن منكرات الأفعال، وسوء الأعمال.
فكانوا يجيبون على من يحاول إضعاف عزيمتهم في الدعوة بقولهم: «إننا نقوم بواجبنا في الأمر بالمعروف وإنكار المنكر، لنرضي الله سبحانه وتعالى، ولا تكون علينا حجة يوم القيامة، وربما تفيد هذه الكلمات، فيعود العصاة إلى رشدهم، ويتركون عصيانهم».
ولكن العصاة لم يعودوا عن غيهم، لاسيما مع ما يجدون من صيد وفير، ولا يعلمون أن الله تعالى يقيم الحجة عليهم بهذا الفعل، وأنه سبحانه يمهل الظالم حتى يتوب ويعطيه الفُرصَ الكثيرة إذا عصى، علّه يرجع إليه، فيغفر له، ويكفر عنه، فتجاهلوا ذلك كله، وأخذوا يتمادون في العصيان والآثام.
وبينما استكبر العصاة وأمعنوا في منكراتهم، ولم تجد كلمات المؤمنين نفعاً معهم، جاء أمر الله، وأذِن بتسليط العذاب عليهم، فحل بهم عذاب غريب على النفوس، أغرب من الابتلاء والعقاب الأول وهو الحرمان من الأسماك، إذ مسخهم الله، وغير أشكالهم من إنسٍ إلى حيوانات.
وذكر العلماء أن هذا العذاب جعل منهم قردة ولكن غير متناسلين، فبعد زمن هلكوا، ولم يبق أحد من ذريتهم، فلا يوجد في عصرنا الحالي من القردة من كان من نسل هؤلاء العصاة الذين حولهم الله تعالى إلى قردة عقاباً لهم على فسقهم.
أما المؤمنون الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فلم يمسهم أذى، لأن الله تعالى لا يظلم الناس، بل يجازيهم على أعمالهم ولا تزر وازرة عنده سبحانه وزر أخرى، فعذّب الله العصاة وأنجى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وبشأن الفرقة الثالثة، التي لم تعص الله، لكنها لم تنه عن المنكر.
فقد سكت النصّ القرآني عنها، ولم يذكر لنا أكانت مع الناجين أم مع القوم المعذبين، يقول أحد العلماء: «ربما تهويناً لشأنها وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب إذ إنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي.
فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب»، أي المقصود أنه قد يكون الله تعالى لم يذكرهم لتقليل شأنهم، حيث كان دورهم سلبياً، فكانوا أقل من أن يذكرهم الله تعالى، أو يبين شأنهم.