عن الصديق أبى بكر
كان سيدنا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يأخذ من بيت المال ، وهو خليفة المسلمين ، وحاكم دولة واسعة الأطراف تشمل الجزيرة العربية ، وتتوغل في بلاد الشام غزوا وفتحا ما يكفي لقوته وقوت أسرته الصغيرة .
وكان تاجرا قبل أن يتولى الخلافة ، وشغلته الخلافة عن التجارة ، فاضطر إلى أن يأخذ من بيت المال ما يعوله وأهله ، لأنه لا يجد وقتا للتكسب والارتزاق ، وذلك في صالح المسلمين ، والانشغال بمهمات الخلافة ، وإدارة البلاد .
وكان الذي يأخذه من بيت المال يكفي لإقامة صلبه وصلب عياله من طعام ، من خبز وإدام ، لا تجد أم عياله سبيلا إلى التفنن فيه ، والتوسع في المطاعم كما يفعله من بسط الله له في الرزق من أغنياء الأسرة وأهل البلد .
وكانت الأسرة أحسن حالا وأنعم بالا حين كان سيد الأسرة – الصديق – يرتزق بالتجارة . وكان لأبي بكر أولاد صغار يعتمدون على ما يقيم صلبهم ، ويسد رمقهم من طعام متشابه ، لا يجدون ما يشبعون رغبتهم من حلوى وفاكهة كمن كان في سنهم من أبناء أسر المدينة الذين أغناهم الله ووسع لهم في الرزق ، وكانت لآبائهم حدائق ، وتجارات ، ومزارع .
شعرَتْ بذلك الأم الحنون وأرادت أن تُحليّ يوما أفواه الأبناء الصغار وتتسلى بالحلوى ، وهي بشر من البشر ، فقالت لزوجها أن يسمح لها بذلك يوما من الأيام ، ويزيد في راتبها من بيت المال ، فقال : إن بيت مال المسلمين – وفيهم فقراء وأهل خصاصة – لا يتسع لإشباع الرغبات ، والتنوع في المطاعم والمشارب .
فقالت : لو استفضلت من نفقتنا عدة أيام وبقيت لنا بقية ، هل هنالك مانع من أن نشتري بها حلوى ؟ .
قال : لا بأس بذلك ، وهذا يرجع إلى قدرتك وجهدك .
فاستفضلتْ زوج أبي بكر الصديق من نفقتها من عدة أيام ما يصلح لأن يشتري به حلوى ، وقدمت الدريهمات إلى أبي بكر ، وقالت : هاك دريهمات ، تستطيع أن تشتري بها لنا حلوى .
ولم يكن من شأن الصديق إلا أنه رد الدريهمات إلى بيت المال ، وقال لمن يلي أمره :
قد تحقق لدينا أن أسرتنا تستطيع أن تعيش وتقوت أعضائها بأقل مما تتقاضى من بيت المال من الدريهمات ، فأسقط من نفقتنا كل يوم بقدر هذه الدريهمات ، فإنها كانت زائدة على حاجتنا ، وليس بيت مال المسلمين لتترفه به أسرة الخليفة وتتوسع به في المطاعم .
وهكذا كان ، فنقص من راتب كل يوم بقدر هذه الدريهمات ، وكان حظ الأسرة الصالحة التي كان يحكم سيدها بلادا واسعة ، وتأتيه الغنائم والثروات من أطراف كثيرة – الغُرم بالغنم.
ولم تستطع أن تحقق رغبتها فيما اشتهته من حلوى ، بل اضطرت إلى أن تقنع براتب أقل مما كانت تناله كل يوم من بيت المال ، ورضيت زوج الصديق بما فعله زوجها ولم تعتبره غُرما وخسارة ، وصدق الله العظيم : ” الطيبون للطيبات ” ( النور 26 ) .