كيف أتعلق بالله ؟
قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).
قد يغلب على المسلم حبّ الحياة الدنيا والسير لتحقيق الرّغبات والشّهوات ممّا يؤدّي إلى تعلّق القلب بها عند الزيادة والمبالغة في حبّها ورغبتها وبُعد القلب عن الله ، ولدوام وصال القلب بالله -تعالى- لا بدّ من المسلم القيام ببعض الأمور ليتعلّق قلبه بالله تعالى.
الخوف من الله -تعالى- والخشية منه تعظيماً وإجلالاً له، والخوف من التقصير في أداء العبادات المفروضة، والخوف من ارتكاب المنكرات والفواحش وما يلحقها من عواقب وآثار، ممّا يؤدّي إلى عدم الوقوع في الفواحش والشّهوات والمُلهيات، وعدم اتّباع هوى النّفس والمُحرّمات، كما أنّ الخوف من الله -تعالى- هو الدافع للتوبة والرّجوع إلى الله، بعد ارتكاب المُحرّمات والذّنوب.
التذلّل والخشوع والخضوع لله تعالى، والاعتراف بالضعف والحاجة والفقر له، والتوجّه بالدّعاء والتّضرع له.
قالوا أن أبسط وأسهل الطرق والذى يوصل فى نهايته إلى بر الأمان والفلاح هو الطريق إلى الله لان سألكه لا يضيع ولا يتوه لان الصاحب فيه ملك الملوك والزاد فى هذا الطريق هو التأمل فى ملكوت الملك وفهم المعانى التى تستقبلها وهى فتح مصادر التلقى للشعور بالله ورحماته ورسائل الحياة مع الله واستحضار وجود الله فى كل ما حولك من صغيرة أو كبيرة وهذه العبادة تتحقق فى التأمل فى الكون.
والمنفذ الثانى هو الأُذن مصداقا لقوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}.. [يوسف : 105-106]
فعند الإعراض عن الانصات إلى منافذ الرحمة السمعية تفقد المعنى من الرسائل الربانية وتفسيرها ومعرفة المقصود منها من رسائل إلهية تساعدك للوصول الى الله.
لعبادة التأمل الكثير من الفوائد وأولها ان هذا الكون بأكمله لم يخلق عبثاً ولكن كل شئ بقدر محسوب كما قال تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.. [الأنعام : 59].
فعند فتح هذه المصادر واستخدامها فى العرض المخلوقه له إذا فأنت الأن قد سلكت طريق الله والتعلق به والذى يوصلك فى نهايته إلى جنته سبحانه.
لا إيمان إلا بتعلق، ولا عبودية إلا بتعلق، ولا إسلام إلا بتعلق؛ فمدار الدين على تعلق القلب برب العالمين من جهة ربوبيته وإحاطته وحفظه وإمداده ورزقه، ومن جهة إلاهيته وحبه وعبادته؛ فقلب المؤمن معلق بربه مهما باشرت يده تقليب الأسباب.
هذا، وإن التعلق انجذاب وافتقار واحتياج ولزوم، كتعلق الجنين بأمه، فهو لا ينفك عنها لحظة، فغذاؤه ودواؤه وحاجات جسده كلها عن طريقها بإذن الله، فالقلب إذا تعلق بربه فخضع وخشع واعترف وتوكل وافتقر واغتنى فقد قام بعبودية التعلق بربه، وعلى قدر تعلقه بالمخلوقين وانجذابه واحتياجه إليهم يكون نقص تعلقه بربه
. والمؤمن يعلم أن الملك ملك الله، والخلق خلقه، والعبيد عبيده، فهو لا ينفك عن تعلقه بمن هذا شأنه سبحانه وبحمده.
والمتعلق بالله لا يُخذل في أشد الأهوال ولا يُنسى مع تتابع الكروب، بل تتتابع عليه ألطاف الملك الوهاب، وتتوالى عليه أمداد اللطيف الخبير، وهو ذاكرٌ لربه في كل حال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
والمتعلق بالله لا تضيق عليه المخارج عند الخطوب وتكاثف الغموم، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: «ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص، فعرَضت لي هذه الآية:
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢].
فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج.
فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل أو يتسبب أو يتفكر إلا في إمتثال أمر الله، فإن ذلك سبب لكل فرج.
ثم ينبغي للمتقي أن يعلم أن الله كافيه فلا يعلق قلبه بالأسباب، فقد قال عز وجل:
{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣].
فأره الصبر الجميل ترَ عن قرب ما يسر، ومتى نظفت طرق الإجابة من أدران الذنوب، وصبرت على ما يقضيه لك؛ فكل ما يجري أصلح لك، عطاء كان أو منعاً.