عادة أم قلادة ؟
قالوا لنا إن العادة هى كل ما ألفه الشخص حتى صار يفعله من غير تفكير ومن غير جهد.
لو دققنا فى هذا الاصطلاح قليلٱ لوجدناه يقول : أن العادة هو ما يألفه الفرد أى يعتاد عليه أى يمارسه بإراته، فهو ليس مجبرٱ عليها، ويقول كذلك : يفعلها من غير تفكير أى أنه لو فكر لما فعلها، فبقليل من التفكير تنحل الأزمة.
أتصور دائمٱ أن أى عادة نعتادها تشبه القلادة، يتقلدها صاحبها فتزينه أو تشينه، ولأنها قلادة فهو يستطيع خلعها وقتما شاء وكيف شاء ويتخلص منها فى أبعد مكان عنه.
فالمعتادين على السهر أو الكسل يرتدون قلادة السهر والكسل، ولو قرروا خلع هذه القلادة وإرتداء قلادة النوم المبكر والنشاط لاستطاعوا ولكان خيرٱ لهم.
كذلك المعتادون على قضم أظافرهم وطرقعة مفاصلهم ومقاطعة الناس أثناء الحديث والتأخير وإهدار الوقت والتفاهة والمخدرات والتدخين ويرتدون قلادات بعدد هذه العادات المظلمة التى تشين، يستطيعون إستبدالها بقلادات القراءة والتأمل وممارسة الرياضة ومجالسة الصالحين والابتسام والامتنان والمرونة والنقاشات المثمرة، وبأى عادات مضيئة أخرى تزيّن.
فلا أحدُ يجبر أحدٱ على قضم أظافره كما أن لا أحدُ يجبر أحدٱ على ممارسة الرياضة، نحن الذين نتوجه بذواتنا إما لهذا الطريق أو ذاك.
أتعجب ممن يتفاخرون قائلين : ” لا أنا ماقدرش أبطل سجاير، لا ما أقدرش أمشى خمس دقايق، مأقدرش أبطل طرقعة فى صوابعى “، وكأنهم تأخذهم العزة بالإثم.
شعورهم بهذا العجز يصعب عليهم فكرة الإصلاح أو ضبط أى إعوجاج لديهم.
فلدينا كلنا إعوجاجات متعددة، فلو حطمنا طموحاتنا بمثل هذا الكلام؛ لما اعتدلت هذه الاعوجاجات أبدٱ، بل وازدادت سوءٱ.
أرى العادات أيضٱ كالملابس، الملابس الأنيقة التى تناسبنا؛ تزيننا والملابس الخليعة أو الخالية من الذوق أو غير مناسبة تنتقص منا وتسئ إلينا، عاداتنا مثل ملابسنا إما تسترنا أو تفضحنا.
كما أنها هى التى تكون إنطباعات الناس عنا وتوجههم كيف سيتعاملون معنا، هل يصنفوننا مع فئة المثابرين المجتهدين المنتجين الأقوياء أم مع فئة الضعفاء البلداء الخائبين ؟
ولنا الاختيار.
قال علماء النفس أن تقليص الاختيارات يسهل علينا الاختيار، لأننا فى الغالب نميل إلى الأسهل أو الأقل جهدٱ، فلو جعلنا الخيارات المتاحة ضيقة وقليلة وركزناها على المفيد واستبعدنا ما دون ذلك، لسهلنا الاختيارات وأسرعنا فيها.
والعادة ترتبط ارتباطٱ قويٱ بتحديد الأولويات وترتيبها، فلا تجد أبدٱ شخص يفشل فى ترتيب أولوياته ولديه عادات حسنة أو تغلب عليه العادات الطيبة فى نفس الوقت، فالاثنان لا يجتمعان.
ويظل الاختيار فى أيدينا !