من هى الممتحَنة ؟
هى فتاة نشأت فى بيتٍ شديد العدواة للإسلام وللنبى صلى الله عليه وسلم، وتحديدًا والدها الذى آذى الرسول كثيرًا قبل هجرته حتى أنه كان حاول مرة أن يخنقه بيده وكان يحشد الجيوش لمحاربة الإسلام.
إلا أن الله شاء أن تكون “أم كلثوم بنت عقبة بن أبى المعيط” هى الوحيدة فى بيتها من ينشرح صدرها للإسلام وتؤمن حتى أنها كانت من أوائل من أسلموا وواحدة من المسلمين الذين صلوا على القبلتين.
وكتمت “أم كلثوم” إسلامها وأخفته ولكن يومًا بعد آخر كانت مواصلة الحياة فى بيتها والحفاظ على إسلامها تزداد صعوبة.
ويومًا بعد آخر كان خوفها يزداد من إيذاء كفار قريش لها وإجبارها على ترك دينها حتى اتخذت القرار الصعب وقررت أن تخرج إلى المدينة المنورة لتنضم إلى المسلمين هناك.
قرار “أم كلثوم” لم يكن صعبًا فقط لأنها فتاة وحيدة تخرج لتقطع الطريق الطويل من مكة إلى المدينة دون حماية أو ونس، وإنما كان صعبًا بسبب التوقيت الذى اختارته وقت صلح الحديبية الذى كان يتضمن شرطًا مجحفًا للمسلمين يشترط على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد إليه أى شخص يأتيه مهاجرًا من مكة، حتى ولو كان مسلمًا.
كانت “أم كلثوم” تعرف بهذا الشرط إلا إنها توكلت على الله وأصرت على الرحيل، وفى الطريق صادفت قافلة تخص رجلاً من قبيلة خزاعة التى دخلت فى حلف مع الرسول صلى الله عليه وسلم ضد قريش، فاطمأنت وطلبت منهم أن يصحبوها معها وأمنتهم على نفسها فحفظوا الأمانة وأحسنوا صحبتها حتى وصلت إلى المدينة المنورة.
وروت “أم كلثوم” قصة هجرتها وقالت “كنت أخرج إلى بادية لنا فيها أهلي، فأقيم فيها الثلاث والأربع ثم أرجع إليهم فلا يُنكرون ذهابى للبادية، حتى أجمعت المسير، فخرجت يومًا من مكة كأنى أريد البادية، فلما رجع من تبعني، إذ رجل من خزاعة، قال: أين تريدين؟ قلت: ما مسألتك؟ ومن أنت؟ قال: رجل من خزاعة.
فلما ذكر خزاعة اطمأننت إليه لدخول خزاعة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده. فقلت: إنى امرأة من قريش، وإنى أريد اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا علم لى بالطريق، قال: أنا صاحبك حتى أوردك المدينة. ثم جاءنى ببعير فركبته حتى قدمنا المدينة، وكان خير صاحب، فجزاه الله خيرًا”.
بعد أن تأخرت “أم كلثوم” عن موعد العودة وشعر أهلها بغيابها خرجوا ليبحثوا عنها فعرفوا أنها هاجرت إلى المدينة حيث أخبرتهم واحدة من النساء أنها رأتها تسلك الطريق المؤدية إلى المدينة.
وحين عرف أهلها بذلك تذكروا فورًا شرط صلح الحديبية فقالوا “لا ضير، بيننا وبين محمد عهد وصلح وليس أحد من الناس بأوفى من محمد، نذهب إليه ونسأله أن يفى بعهدنا”.
وخرج أخواها “عمارة” و”الوليد” للمدينة ليستعيدوا أختهما، بينما كانت “أم كلثوم” فى بيت النبوة، دخلت على أم المؤمنين “أم سلمة” وعرفتها بنفسها وقالت لها إنها تخشى أن يردها الرسول صلى الله عليه وسلم لأهلها التزامًا بشرط الصلح.
ولما دخل الرسول على أم سلمة أخبرته بذلك فرحب بها فقالت لها “يا رسول الله، إنى فررت إليك بديني، فامنعنى ولا تردنى إليهم يفتنونى ويعذبوني، ولا صبر لى على العذاب”.
ووصل شقيقاها إلى المدينة فى اليوم التالى لوصولها وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم استردادها إلا أن الله نزل فى قرآنه ما ينجيها حيث تنزلت الآية العاشرة من سورة الممتحنة
“يا أيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الله أعلم بإيمانهنّ فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهنّ إلى الكفار لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلون لهنّ وءاتوهم ما أنفقوا ولا جُناح عليكم أن تنكحوهن إذا ءاتيتموهن أجورهنّ ولا تُمسكوا بعصَم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم”
وبذلك كانت سببًا فى استثناء النساء من هذا الشرط المجحف فى الصلح وواصلت حياتها فى المدينة المنورة وتزوجت بها وكانت من رواة الحديث.