الحقيقة أن كثيراً من الأمراض تسببها الأزمات النفسية أو المشاعر السلبية التي لا يجيد الإنسان التخلص منها، فتتراكم في جسده مسببة ظهور المرض له مع مرور الوقت، وعندما يمرض لا يعرف لماذا أصيب بهذا المرض إلا نادرا، ولا يخطر بباله أنه من أذى نفسه عندما تجاهل التعبير عن مشاعره المكبوتة يوما ما.
ماهي المشاعر المكبوتة؟
هي المشاعر التي قمت بتجاهلها أو تناسيها دون محاولة لفهمها أو التعبير عنها فتخزنت في عقلك.
فبعض الناس مثلاً عند فقدان شخص عزيز لا يحاولون البكاء أو حتى الحديث عن هذا الشخص ويكتفون بشغل أنفسهم بأعمال شاقة تلهيهم على اعتبار أنهم سوف ينسون الأمر مع الوقت، وهنا تكبت المشاعر بشكل لا واع وتتخزن داخل عقولنا وأجسادنا.
ما الضرر في أن تكبت مشاعرك؟
هذه المشاعر السلبية إن لم تخلص جسدك منها فإنها تظل حبيسة في عقلك اللاواعي، وتعيش في خلايا جسدك، تظل صامدة ومنتظرة أن تعيد التفكير فيها وتعبر عنها، وعندما لا تفعل على مر السنين، تقرر هي أن تواجهك وتعبر عن نفسها بأن تسبب لك ألماً لعلك تتذكرها وتعطيها حقها.
ليس من الطبيعي أن تتجاهل حزنك أو توترك أو غضبك أو شعورك أيا كان، ثم تقضي الوقت في البحث عن أطباء وعن علاج دوائي للعرض دون فهم للمرض المسبب لهذا العرض.
بل من المهم أن تقي نفسك من كثير من الأمراض بالتخلص من أي مشاعر سلبية كانت لديك من قبل أو أي مشاعر تأتيك بعد ذلك.
كيف تعرف أن لديك مشاعر مكبوتة؟
قد تهرب من بعض المشاعر بكثرة الأكل، وفي أحيان أخرى بالعزوف عنه، وتظهر بعض المشاعر في ملامح الوجه وفي لغة الجسد مثل قضم الأظافر من التوتر، وتظهر في التصرفات أيضاً كاتخاذ قرارات مندفعة.
ومن مظاهر كبت المشاعر عدم الشعور بقيمة النفس والتحقير من شأنها، وهذا ما قد يؤدي إلى الاكتئاب، بل إن الوصول لمرحلة الاكتئاب تحدث بعد تراكم الكثير من المشاعر السلبية ولا تأتي فجأة.
ومن أعراض الكبت أيضاً الأرق وقلة النوم، التسوق بدون احتياج، إدمان التلفاز أو الإنترنت أو التدخين.
وأيضاً تفضيل التحدث في الأمور السطحية وتجنب التعمق في الموضوعات، الانفعال الشديد على الآخرين، التركيز على سلبيات الآخري.
الخوف من المرض أو من الأماكن المرتفعة أو من قيادة السيارة مثلا، قد يكون بسبب موقف أو حادث في الماضي لم تتح لك الفرصة وقتها لمواجهة الموقف والتعبير عن ما مر بك من مشاعر، فتخزنت مسببة لك الخوف الدائم من أي موقف مشابه.
يمكنك أن تفكر وترى ما إذا ما كنت تقوم بعادة لا تعرف سببها أو تتنافى مع صفاتك الشخصية، أو أمر يستغربه الناس منك، فلعل ذلك بسبب شعور لم تنفس عنه من قبل.
كيف تتحرر من المشاعر المكبوتة؟
في كثير من الأحيان قد لا تستطيع أن تحدد مشاعرك الحقيقية، هل أنت غاضب حقاً فصرخت في وجه ابنك؟ أم أنك تشعر بالتوتر والقلق من أمر معين أو تعاني من ضغط العمل مثلاً فقمت بإظهار توترك في شكل صراخ وغضب على شخص ليس له صلة بما يحدث داخلك؟
إذاً فعليك أن تحدد مشاعرك السلبية بوضوح أولاً وتتعرف عليها لتستطيع التعامل معها، وهناك عدة طرق لتحقيق ذلك:
1- الكتابة أو التدوين
تساعدك الكتابة على تفريغ كل ما في عقلك وقلبك على الورق فيصبح ذهنك صافياً، فقط تذكر كل المواقف التي شعرت فيها بشعور سلبي واكتبها كما هي، حتى تنتهي تماماً.
هنا ستصبح مستعداً لتحليل ما كتبت، اقرأ كل موقف وابدأ في تحديد مشاعرك بدقة في كل موقف، هل كان حزناً أم إحباطاً، وما هو السبب الحقيقي وراء هذا الشعور؟
2- التحدث بصوت مسموع
إذا كنت لا تحب الكتابة يمكنك أن تحكي ما في عقلك بصوت مسموع وتقوم بتسجيله ثم تسمعه، كأنك في جلسة فضفضة مع نفسك، ثم يمكنك تحليل ما سجلته.
3- البكاء
من المفيد جداً عند تذكر أي شعور سلبي أن تبكي، نعم من المهم جداً فالبكاء طريقة فعالة وسريعة للتخلص من المشاعر قبل أن يمتلىء خزانك بها فتسكبها في وجه شخص لم يكن هو السبب في هذا الشعور.
أما أن تقول لطفلك لا تبكي أو الرجال لا يبكون، فأنت تمنعه من تحرير مشاعره وتعلمه كيف يكبتها، فيتوقف عن التعبير عنها مع الوقت ثم لا يفهمها بعد ذلك.
4- مارس الرياضة
من أهم فوائد الرياضة التي لا تذكر كثيراً هي تحرير الجسد من المشاعر السلبية، فمن يمارس الرياضة يشعر بعدها براحة وسعادة، وهذا الشعورد الإيجابي لا يظهر بسبب النشاط الذي تمده الرياضة للجسم فقط بل أيضاً لأن الرياضة ساعدت الجسد على التخلص من العبء الذي كان يحمله من مشاعر سلبية.
لا تحتاج إلى ممارسة رياضة شاقة لتشعر بتحسن يكفيك المشي قدر المستطاع، أو الرقص في المنزل مثلاً.
5- فضفض
نعم ابحث عن شخص تثق فيه وتعرف أنه سينصت إليك ويدعمك ويحفظ سرك، وفضفض معه عما تشعر به، واطلب منه مساعدتك في تحديد مشاعرك، فكثيراً ما نحتاج لأن نفرغ ما في قلوبنا فقط لشخص ما لنرتاح، دون أن نحتاج منه حلولاً، نحتاج فقط أن نتحدث.
6- التأمل
أن تستلقي على ظهرك وتأخذ نفسا عميقا عدة مرات وتفصل عن العالم من حولك، هو بمثابة إعادة شحن لطاقتك وإخراجك من المزاج السيء الذي قد لا تعلم سببه بشكل واضح.
7- الرسم والتلوين
يعتبر الرسم وسيلة فعالة أيضاً لمن لا يهوى الكتابة، وهي الطريقة التي قد تجدي نفعا لمعرفة مشاعر الأطفال وأسباب سلوكياتهم العنيفة لعدم قدرتهم على التعبير عن أنفسهم بالكلام أو الكتابة، فتظهر رسوماتهم كثيراً مما يخفوه.
أما التلوين فهو مفيد للصغار والكبار، حيث أنك عندما تملىء مساحة ما بالألوان تخرج معها طاقتك السلبية، وكل لون تستخدمه أو تميل له يعبر عن شعور معين داخلك.
8- مسامحة الناس
سامح من آذاك يرتاح قلبك، التمس للناس الأعذار حتى لا ينشغل قلبك بأفكار سلبية عنهم.
9- اللجوء إلى الله
لعلها أهم خطوة وأفضل طريقة، الذكر والدعاء واليقين بأن الله معك، الله سيخلصك من حزنك وضيقك ويرزقك بالرضا والسعادة.
يمكنك أيضاً أن تختار أي طريقة أخرى تناسبك لتفريغ مشاعرك، المهم أن لا تتجاهلها وتظن أنها أصبحت من الماضي.
إن لم تتحرر منها ستلاحقك في يوم من الأيام في شكل مرض أو عرض جسدي، ولكنك لن تدرك حينها أي مشاعر تلك التي فعلت بك ذلك.
ولا تقل قد فات الأوان وها أنا قد شبت وأنهكتني الأمراض، بالعكس فليس هناك وقت معين نتوقف بعده عن التعبير عن مشاعرنا، مهما كان ما أصابك من مرض، ابدأ الآن بالتخلص من تلك المشاعر وسوف تشعر بتحسن كبير في صحتك وطاقتك، تحسن لن تجدي الأدوية وحدها في تحقيقه لك.
كيف تحمي نفسك من كبت المشاعر في المستقبل؟
عندما يهاجمك أي شعور، اقبله اعترف به ولا تنكره، فليس عيباً أن نشعر بالحزن والكره وغيرهم من المشاعر، نحن بشر ومعرضون لأن نكون في كل حين في حالة نفسية مختلفة.
خذ وقتك في تحديد ذلك الشعور والتعبير عنه بأي طريقة تفضلها كما وضحنا، تحمل المسؤولية ولا تلقي اللوم على الآخرين، استبدل أفكارك السلبية بأخرى إيجابية، ابعد عن العلاقات السلبية، ابحث عن مواهبك وهواياتك ونمها واشغل نفسك بها وبأعمال أخرى تفيدك وتطور بها نفسك، تطوع، تذكر أشياء تبهجك، اخرج من منطقة الراحة وخض تجارب جديدة، ضع لنفسك أهدافاً واسعى لتحقيقها.
المهم ألا تترك نفسك فريسة للمشاعر فتتفاقم وتتحول إلى اضطراب نفسي أو مرض عضوي. الاهتمام بصحتك النفسية مهم وهو جزء من اهتمامك بصحتك الجسدية.