لم أعد أحتاج إلى جواب
فى قديم الزمان وحتى عشرين عامٱ تقريبٱ؛ كان الزوجين ينغلقان كلٱ منهما على الآخر متصوران أن هذه حياتهما إلى الأبد وأن كلٱ منهما هو نصيب الآخر من الدنيا، يحاولان تسيير أمورهما على أفضل ما يستطيعان لتحقيق الهدوء والراحة المشتركان فى البيت؛ الذى هو عشهما ومجتمعها،نقطة ومن أول السطر
.
فكلاهما يعلم أن هناك أمورٱ ليست بالقليلة التى هو منوط بها وعليه الالتزام بها برحابة صدر وبكل الرضا، كلها من واجباته الأصيلة وهو فى تمام التصالح مع ذلك.
فلا يحتاج أحدهما إلى الحديث فى نقطتى؛ “حقوقى وواجباتك”، فكلٱ منهما يقوم بواجباته وينل حقوقه تلقائيٱ هكذا بهذه البساطة( آه والله زى ما باقولك كدا)، وكانت الحياة الزوجية تسير فى أمان الله.
والسؤال هنا؛ لماذا كان الأرمل والأرملة قديمٱ لا يفكر قط فى الزواج مرة أخرى مادامت ليست هناك حاجة ضرورية لرعاية صحية مثلٱ أو للانفاق أو أى ضرورة أخرى، فمادام ليس هناك ما يلح، إذٱ سيعيش( ستعيش) على الذكريات التى كانت جميلة وتستحق التذكر.
أما الآن فبعض الناس سواء الأرمل أوالأرملة أصبحا على استعداد لزواج جديد بعد أيام فى حالة الرجل وبعد انقضاء العدة مباشرة أو بعدها بقليل فى حالة المرأة، وليس هذه قاعدة، فهناك الكثيرون ممن يقررون الوفاء للذكريات وكل حالة ولها حيثياتها.
ولكنى عرفت الجواب.
ذات يوم وأنا أجلس فى إحدى النوادى، وإذ بثلاث سيدات تخطين الخمسين يجلسن بجوارى ويبدو عليهن العلاقة القوية والود القديم.
وإذا بواحدة منهن ولنسمها الأولى، تهاجم أخرى ولنسمها الثانية وتقول؛
،” ده نوع من أنواع الغباء يا ست انتى، يعنى هو مات من تلات سنين والدود أكله حتتك بتتك وماتفضلش منه حاجة، يعنى مش هيزعل ولا هيعرف انك تعبانة من الوحدة وولادك كلهم متجوزين ومسافرين وانتى اتجوزتى علشان تلاقى حد يونسك ويروح وييجى معاكى، انتى عبيطة أوى بصراحة وعاملة نفسك مثالية”.
وإذا بالأخرى ترد عليها :
” ماقدرش آخد على حد تانى وأجرب حياة جديدة وأنساه كدا، والله ما هاقدر أنا عارفة نفسى وراضية بحالى، مالكيش دعوة انتى، وبعدين أنا هالاقى زيه فين ؟
كان مبيقولليش غير يا نونتى، عمره ما كسفنى، عمره ما صغرنى، مكانش يعدى تلات أربع أيام منخرجش إلا لما يقوللى تعالى ننزل نتفسح فى أى حتة ولا حتى نمشى رجلينا، كان بيدينى الريموت على طول ويقوللى انتى عايزة تشوفى إيه؟عمره ما قعد على القهوة ولا خرج وسابنى لوحدى، كان لازم يعمل الفطار والغدا بتوع يوم الجمعة والسبت فى الأجازة، ده مافيش منه، عمره ما أخرنى عن زيارة أهلى، كان بيكويلى هدومى حتى بعد ما سبت الشغل، كان بيدينى مصروف حتى وانا باشتغل، كان بيودى أمى كل المشاوير بتاعتها حتى بعد ما بقيت بأسوق ويقوللى لأحسن تتوهى بيها فى الزحمة والطرق صعبة، ده قلبى، الله يرحمه، الله يرحمه، الله يرحمه….. “
وكررت عبارة ” الله يرحمه” حوالى تسع أو عشر مرات متتالية على الأقل.
ترد عليها الأولى وتقول ” الله يرحمه بقى ولا ميرحموش وتقهقه عاليٱ، أنا بقى كنت لما اعيط واروح اقولله انت سايبنى باعيط كدا عادى ؟، يقوللى ما لو هاجى اطبطب عليكى هتسكتى، ما تسكتى لوحدك وخلاص، مكانش يخرج ولا يتفسح ولا يسافر إلا مع أصحابه، مكانش يعاتبنى ويصغرنى إلا قدام أهله، مكانش بيبطل طلبات ليل ونهار حتى لو هياخد الحاجة اللى عملتها ويرميها فى الزبالة، ولما أقولله كدا رميتها بعد ما عملتها؟ يقوللى آه علشان تتعلمى تسمعى الكلام وخلاص، يلا الله يرحمه وتقهقه عاليٱ، آدينى باقول الله يرحمه اهوه”.
وبعدين أنا اتجوزت على سنة الله ورسوله معملتش حاجة غلط، وإذا بها تنظر لى وقد لاحظت ولاحظن الاثنتين الأخرتين أننى أنصت لهما منذ جلست وأنا لم أخفى ذلك منذ وصولى، وتقول لى ” فاهمانى يا بنتى ولا ايه رأيك ؟”
فقلت لها ” فاهماكى طبعٱ “، وأنا أحدث نفسى؛ الآن عرفت الجواب، ولم أعد فى حاجة إلى سؤال عن سبب وفاء الأزواج القدامى ونسيان الأزواج الجدد.
عرفت لماذا يتزوج بعضهم بعد وفاة شريك الحياة ولماذا يرفض آخرون.
إنه الرصيد؛ رصيد المتوفى لدى الذى لازال على قيد الحياة، هل هو كافِ وغزير يكفيه ما تبقى له فى الدنيا من عُمْر؟ أم ضئيل جدٱ لا يسند أحدٱ ؟
هل لأزواج وزوجات “اليومين دول” مثل هذا الرصيد الذى يكفى لباقى العمر، أم أن الأرصدة فقيرة تنتظر المزيد، من خلال البحث عن شريك آخر وزواج جديد ؟؟
.