دين إسلامى

الفرق بين الرسول والنبى

بعث الله سبحانه وتعالى على مَرِّ الأمم رُسلًا وأنبياءَ ليُبلّغوا عنه شرعه، ويَهدوا النَّاس إلى هَديه، ويُعرِّفوهم بدينه، وأيَّدهم بالمُعجزات والآيات الدَّالة على أنَّهم مَبعوثون منه سبحانه، وقابلهم كثيرٌ ممّن بعثوا إليهم بالتّكذيب والاستهزاء والتّسخيف، وصدَّقهم وأيّدهم قلَّةٌ ممّن بُعِثوا إليهم، لكنَّهم أدّوا الأمانة، وبلّغوا ما أمرهم الله تعالى به، وتحمّلوا ما لقوا في سبيل التّبليغ والدّعوة إلى توحيد الله وصبروا عليه، وقد تعاقب الأنبياء والرّسل على الأمم في القرون السّابقة لهذه الغايات، إلى أن خُتِمت النّبوة والرّسالة بمُحمد -عليه الصّلاة والسّلام-

المعنى اللغويّ للرّسول والنبيّ الرّسول

سميَّ الرّسول بهذا لأنّه مَبعوثٌ من الله تعالى برِسالةٍ مُكلّفٌ بتبليغها.

أما النبيّ من نَبَأ، ومنه النَّبَأ بمعنى الخبر، ومنه قول الله تعالى: ( قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ).

وسُمِّي النبيّ بذلك؛ لأنَّه أنبأ عن الله تعالى؛ أي أخبر عنه، وقيل النبيّ من النبوّ أي العُلوّ، وسُمِّيَ النبيّ بذلك لمنزلته ومكانته العالية بين النّاس.

ويخلط البعض بين الرّسول والنبيّ ولا يَرون فارقاً بينهما، وهذا من الأخطاء التي شاعت، والبعض يُفرِّق بينهما بفروقٍ لا تَصحّ، كالقول بأنَّ الرّسول مأمورٌ بالتّبليغ أمّا النبيّ فلا، والقول بأنَّ الرّسول يُوحَى له وأنَّ النبيّ لا يُوحَى له، وكلُّ ذلك لا يصحّ، والصّحيح أنَّ ثمّةَ فارقاً دقيقاً بينهما، ودليل ذلك قول الله تعالى:

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ).

وكذلك قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).

والشّاهد من الآيات الكريمة أنَّ لفظة (نبيّ) جاءت مَعطوفةً على لفظة (رسول)؛ ممّا يَدلّ على التّغاير والاختلاف بينهما، فلو لم يكن ثمَّةَ فارق بينهما لما ذُكِرا معاً ولكفى ذكر أحدهما.

والفرق الجوهريّ بين الرّسول والنبيّ هو أنَّ الرّسول من أُوحِيَ إليه بشرعٍ جديد  أي ديانةٍ وشريعةٍ جديدةٍ كاليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، أمَّا النبيّ فلم يُوحَى له بشرعٍ جديدٍ، وإنَّما بُعث لتقرير شرع من قبله من الرّسل، وهذا يفيد أنَّ الرّسول أعمَّ من النبيّ؛ إذ إنَّ كلَّ رسولٍ نبيّ، وليس كلُّ نبيّ رسول.

حيث يُوحَى للرّسول بشرعٍ جديدٍ علاوةً على تقرير ما جاء به من قبله من الرُّسل والأنبياء، أمّا النبيّ فُيقرّر ويُؤكّد ما شُرِعَ قبله دون أن يُبعَث بشرعٍ جديد.

ما يشترك فيه الرّسول والنبيّ ثمَّة أوجه شبه وجوامعُ مشتركةٌ بين الرّسل والأنبياء بوجهٍ عامٍّ، ومنها:

إنَّهم جميعاً مبعوثون من الله تعالى. إنَّ الله اصطفاهم واختارهم من بين خلقه من البشر. إنَّ الإيمان بهم أصلٌ وركنٌ من أركان الإيمان، وإنكارهم كفر. إنَّهم معصومون من الكبائر والمعاصي. إنَّ الغاية من بعثهم هداية النّاس وإصلاحهم. إنَّ مِن الأنبياء والرّسل مَن ذُكِرَ في القرآن الكريم والسُنّة الشّريفة ومنهم من لم يُذكَر. إنَّ وظيفتهم التّبليغ عن الله والدّعوة إليه. ما يتفرَّد به الرّسل والأنبياء عن سائر البشر ميَّز اللهُ -سبحانه وتعالى- رُسلَه وأنبياءَه وخصَّهم بأمورٍ لا تكون لغيرهم من البشر، ومن هذه الأمور:

الوحي: فقد خصَّهم الله تعالى بالإيحاء لهم بطُرق الوحي المُختلفة، مثل تكليم الله لبعضهم أو عن طريق الملائكة.

العصمة: وتُفيد أنَّ الرّسل والأنبياء دون سواهم مَحفوظون من الوقوع في المعاصي وكبائر الذّنوب.

تنام أعينهم دون قلوبهم: فقد اختصَّهم الله بأنَّ أعينهم تنام ولا تنام قلوبهم، ومن ذلك ما ورد في صحيح البّخاري:

( وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ ، وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ ).

لا يُقبَرون إلا حيث يموتون: فالرُّسل والأنبياء يُدفَنون حيث يموتون، ولذا دَفَن الصّحابةُ -رضوان الله عليهم- النبيّ محمد -عليه الصّلاة والسّلام- في حجرة السّيدة عائشة -رضي الله عنها-؛ لأنَّه تُوفّي فيها. لا تأكل الأرض أجسادهم تكريماً لهم مهما طال الزّمن وتقادم.

من الرّسل والأنبياء من ذُكِروا في القرآن الكريم والسُنّة الشّريفة، وعددٌ كثيرٌ لم يُذكَر اسمهم ولم يُخبَر عنهم، لقوله تعالى: ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ ).

ومن الذين ذُكروا: من الرّسل -عليهم السّلام- أمّا الرّسل، فهم:

مُحمّد -عليه الصّلاة والسّلام-، وقد بعثه الله تعالى من قبيلته قُريش إلى العرب والعجم كافّةً، وأُنزِل عليه القرآن الكريم.

موسى عليه السّلام، وقد بعثه الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأَنزل معه التّوراة.

عيسى عليه وعلى أمِّه أفضل السّلام، وقد بعثه الله تعالى إلى بني إسرائيل، وأَنزل عليه الإنجيل.

داوود عليه السّلام، وقد بعثه الله تعالى إلى بني إسرائيل، وأَنزل معه الزّبور.

أمّا الأنبياء فالمعروف منهم والذين ذَكرهم القرآن خمسة وعشرين نبيّاً، ولكن الرّسول أنبأ بأنّ عددهم أكثر من ذلك بكثير، وأنَّه لا يعلم عددهم الحقيقي إلا الله عزّ وجلّ وحده، ومنهم:

أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام. نوح عليه السّلام. يوسف وأبوه يعقوب عليهما السّلام، وقد جاء بيان قصتّهم وإخوة يوسف في القرآن الكريم.

هارون عليه السّلام، وقد بعثه الله تعالى إلى فرعون وقومه سنداً وعوناً لأخيه موسى عليه السّلام. أيوب، وذو الكفل، وسليمان عليهم السّلام، والبقيّة من الأنبياء المَذكورين في القرآن، وغير المذكورين فيه، والذين لا يعلم عددهم إلا الله، عليهم السّلام أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع