مقالات نورا عبد الفتاح

مش شغلك

منذ عدة أيام إقتضت الحاجة أن أركب ميكروباصٱ، وجلست بجوار السائق، وانطلقنا فى الطريق من شارع الهرم وحتى ميدان عبد المنعم رياض بوسط البلد.

بالطبع حال المرور فى شارع الهرم غير مرضِ من سوء سلوك أصحاب السيارات ومن الوقوف المتكرر للميكروباصات وسط الطريق وعلى الجانبين وفى كل مكان ولأسباب أخرى عديدة.

المهم أن السائق مستاء طوال الطريق من هذا الذى يسير بطيئ على الجانب الأيسر، وهذا الذى كسر عليه فجأة دون إنذار، وهذا الذى كاد أن يصدم جانبه الأيمن، وهذا الذى دفع 200 جنيهٱ بدلٱ من 5 جنيهات، وهذا الذى توقف فجأة فى الطريق دون مبرر واضح .

وإذا بى أتصور أنه من واجبى أن أبرر خطأ من يمشى بطيئٱ على الشمال بأنه حديث العهد بالقيادة، وأن الذى كسر عليه فجأة يود الدخول إلى الشارع الجانبى ويبدو أنه تذكر متأخرٱ، وأن الذى أرسل 200 جنيٱ مش معاه فكة، وأن الذى توقف فى وسط الطريق، لابد أنه تائه ويبحث عن مكان ما.

فى السوبر ماركت أجدنى مشفقة على البائع أو الكاشير وعلى العميل فى نفس الوقت، فاقضى الوقت فى الطابور فى؛ معلش تلاقيه مسمعش، معلش أصل الطابور طويل وهو واقف من زمان، على فكرة هو كلمك وانت مسمعتش، معلش يمكن ماخدش باله، معلش يمكن ميقصدش، معلش …معلش…معلش.

حراس العقار مع إختلاف ألوانهم وأشكالهم؛ يشكون لى من الساكن الذى لا يلقى عليهم السلام، والساكن الذى يركن أمام البوابة، والساكن الذى لا يعطيهم مقابل شراء الطلبات، والساكن الذى يسبب قذارة السلم بصندوق قمامته، وجامع القمامة الذى يسيئ إستخدام المصعد.

فأتصور للمرة الثانية أن من واجبى تفسير خطأ فردٱ فردٱ من هؤلاء؛ فمن لا يلقى السلام ربما لم يره، والذى يضع سيارته أمام البوابة ربما لم يجد مكان لليوم فقط، والذى لم يعطِ مقابل شراء الطلبات ربما لم يحصل على راتبه بعد، والذى يتسبب فى قذارة السلم، ربما كان ينوى تنظيفها، وجامع القمامة ربما لا يستطيع صعود السلم فى كل العقارات التى يجمع منها القمامة.

وإياك أن تسول لك نفسك أن هذه الحوارات تنتهى بجملة واحدة، أبدٱ أبسلوتلى؛ إنما أنت ترد والطرف الآخر يرد، لابد له من أن يرد ليعزز موقفه ويثبت أنه مظلوم وصاحب حق، وتستمر الحوارات والمبررات وذكر الأسباب والتوقعات والإحتمالات لارتكاب الشخص هذا الخطأ كما قال لنا علماء النفس أو علماء الطاقة أو علماء الدين أو أى علماء يمحصون ويدققون فى سلوك الإنسان بوجه عام.

فى تربيتى لأبنائى الأعزاء ومع كل إقتراح أو طلب أو فكرة أقولها؛ أذكر لها المبررات والأسباب والإحتمالات والتوقعات والمقدمات، وكأننى أتحدث إلى شخصية هامة، ( مع إن فيه ناس كتير بتأمر وأوامرها بتتفذ وأولادهم بيحترموهم ).

فى الغالب وبعد أن ينقطع نَفَسك فى كل التفاسير والأمثلة والمبررات التى تدافع بها عن أشخاص أغلبهم لا ولن تعرفهم وهم لا ولن يقابلوك بقية حياتك، سيظل من يمتلك حذاءٱ فى عقله، لا يزال الحذاء تحت ملكيته، والذى أغلق رأسه بقفلٱ وألقى المفتاح فى المحيط، سيظل رأسه مغلقٱ إلى الأبد، والذى داخله سدٱ عاليٱ مضادٱ لأى تحسين للفهم أو حسن إدراك للأمور، سيظل سدٱ شامخٱ وعاليٱ.

فهل تظن أنه من الصواب أن تفنى عمرك فى مجرد محاولة تبرير وليس حتى إصلاح أخطاء آخرين وأنت لا تدرى من ألزمك بذلك وإلى أي درجة من ضياع الجهد والضغط العصبى ستصل إليها ؟


[ ] لا سيما إذا وجدت أنه ما من شخص ( واحد ) يبرر لك أخطائك حتى الصغيرة منها والغير مقصودة ؟

لا أظن، لأن ده فى الغالب ” مش شغلك “

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على دعاء يوسف إلغاء الرد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع
%d مدونون معجبون بهذه: