مقالات نورا عبد الفتاح

الخلط اللعين

هناك خلط كبير بين الشخصية المسيطرة والشخصية القوية، وبين الشخصية الضعيفة والشخصية المسالمة.

هذا الخلط يجعلنا نرى المسيطر الفضولى، الذى يفرض رغباته وأحكامه وطباعه على المحيطين، ذو الشخصية القوية، والذى لديه كاريزما ما ( ماعرفش إزاى )، والءى ينبهر به الجميع بلا أى مبرر، ويتصورون أن ردود أفعاله جديدة وغير متوقعة، شخصية قوية.

هو لا يقبل الإهانة، لا يخدم أحدٱ، مثير للإهتمام ؛ هذا ما يرونه الغالبية العظمى فى الشخص المسيطر الذى عادة ما يكون فضوليٱ.

على النقيض من ذلك يقف الشخص المسالم الذى يربأ بنفسه عن الصراعات والمعارك، يتهمه الناس بالضعف والخيبة، حيث يبدو من النظرة السطحية له أنه ضعيفٱ بينما لو أمعنا النظر فى ردود أفعاله، لوجدنا شيئٱ آخر.

المسالم يتقن عمله أكثر من غيره، من ثم هو يبذل جهدٱ أكبر، أقصد جهدٱ بدنيٱ.
يسمع كلامٱ لا يرضيه من هذا وذاك ويعكف على الصمت، درءٱ للمعارك، وهذا جهدٱ نفسيٱ يتطلب نفسية قوووية.

يخدم الجميع ولا يرفض رجاءٱ لأحد مهما كلفته الخدمة من جهد بدنى أو نفسى، ففكرة رفض خدمة شخص أو تخييب أمل إنسان إختيار غير وارد عنده.

ينتظر التقدير أو الشكر ولا يجدهما، وهذا جهدٱ نفسيٱ كبيرٱ، أن تظل تحسن وتقدم خدمات وتتجاوز عن أخطاء لمن لا يقدرون ولا يستحقون.

يعتذر عند الخطأ وهذا ما لا نراه البتة هذه الأيام، بل نرى من يخطئ فى حقك وينتظر إعتذارك.
وهذا جهدٱ كبيرٱ على النفس؛ فهو يعتذر لمن لا يعتذرون أبدٱ، وأحيانٱ ما يعتذر عن أخطاء صغيرة لا تستحق الذكر.

لا يتدخل فيما لا يعنيه ولا ينقل الكلام ولا يفسد ذات البين حتى بين المنافقين، وفى هذا مجاهدة للنفس من العيار الثقيل.

ينصت لمن يشكو إليه ويحاول المساعدة المعنوية بنصيحة أو حتى المادية إن أمكن، وفى هذا جهدٱ كبيرٱ.

هل إتضحت قوة المسالم الذى نسميه ضعيفٱ، مع سيطرته التامة على الأمور وحسن قيادته الدائمة وطيب قراراته، بينما نحن نسميه ( غلبان ) !!

المسيطر ليس قويٱ والمسالم ليس ضعيفٱ، إنما الضعف فى مسمياتنا، التى تحمل معنى بينما نطلق نحن عليها مسميات لا تطابق هذا المعنى.

المسالم يبذل طاقته داخليٱ فى السيطرة على نفسه وتهذيب سلوكه حتى يبدو مسالمٱ هكذا، كما يبذل جهدٱ بدنيٱ كما وضحنا بالأمثلة، أما المسيطر فلا يبذل جهدٱ لا خارجيٱ ولا داخليٱ، ولكننا نتوهم قوته الغير موجودة وجهده الغير مبذول.

ربما خلل فى البصيرة وربما خوفٱ من المسيطر وإستهزاءٱ بالمسالم، المهم أن الخطأ عندنا نحن بنسبة مائة بالمائة، وفى سوء فهمنا وتقديرنا وتصنيفنا لبعضنا البعض.

إنه الخلط اللعين الذى نساوى فيه بين الطيب والساذج وبين الصبور ومعدوم الحس، وبين الإيثار والعته، وبين التدين والتطرف … والأمثلة على ذلك كثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع