من هو الكاتب
هو من يستطيع التنقل بك بين عالمه ورفعك من الزقاق إلى الشارع وإلى المدينة وإلى القارة وإلى ما فوق هذا الكوكب. والكاتب هو من يجد نفسه بين تلك الأبعاد كلها. الكاتب هو من يكشف لك عن ألوان وحقائق الحياة التي لم يعرفها أحد ولم يشعر بها أحد آخر من قبل.
الكاتب يحترم الإنسان ويجعله يشعر بعظمته وأن له دورًا في هذه الأرض، ويفصّل له أهميته التي احتاجت الطبيعة آلاف السنوات كي تخرجه إنسانًا لتجعله سلطانًا فوق الأرض.
الكاتب هو الصدمة الكهربائية العنيفة التي توقظك من غفلتك وتزيد في اضطراباتك الشعورية كلها؛ ويعمق وجدانك وإحساسك بالأشياء.
الكاتب الفذّ هو من عرف الناس والعلوم والآداب والكوارث والحوادث والسجن والحرية والاضطهاد والتناقضات والحياة والأرض، هو من درس كل ذلك عن طريق الطبيعة فقط.
يعرف الكاتب كل هذه الأوضاع لأنها الطريق الذي يربطه بالعالم الآخر الذي يحيطه.
وكاتب بلا توتر وقلق وبعثرة وجنون لا يساوي ثمن الورق الذي يكتب عليه.
الكاتب يتوتر من المساوئ والكوارث التي تحدث في العالم، والكاتب الحقيقي هو الذي تكثر اضطراباته إزاء الأخطاء والمظالم التي تملأ عصره وأمته.
الكتابة تنمّي إنسانية الشخص، هل شعرتم بذلك؟ الكاتب شخصية عظيمة؛ وأكثر الكتّاب عظمة هم أولئك الذي يبالغون في الحزن والفرح والحزن والإحساس والغضب والتفكير الكثير، تلك التوترات التي تصنع منه مريضًا نفسيًا.
وليس هنالك من مؤلف عظيم قد خلى من توترات المرض النفسي، دستوفسكي ونيتشه وتولستوي وأندريه جيد وبرناردشو وولز.. أمراضهم واضحة وترتفع أحيانًا إلى درجة الجنون وتنخفض أحيانًا إلى درجة الشذوذ ولكنها تكسبهم توترًا يصنع مايسمى بالفن.
لذلك الكاتب يتأمل ويتفكر أكثر من الشخص العادي، يتحسس ويشعر أعمق من ورقة خريفية هشّة، هو مرهف الإحساس للحد الذي يجعلك تعتقد أن أطراف أصابعه مكشوفة وجريحة، ولذلك كثيرًا مانجد كاتبًا يشكو لنا همّه ومرضه النفسي الذي نتج من ذكائه لا من شيء آخر.
بذلك الذكاء يستطيع الكاتب أن يرى أكثر مما يراه غيره، أن يرى أشياء غير موجودة ويتصارع معها.
الكاتب الجيّد هو الذي يجعل الأدب وفق المبادىء البشرية فيغرس فينا حب الطبيعة والفن والعلم والثقافة، وهو صديق الإنسان لايعرف التعصب أو العنصرية وهو الذي يقول بضرورة التغيير ويطالب بمزيد من الحرية فهو لايرضى بالظلم والظلام.
أضف إلى ذلك أن حياة الكاتب هي أعظم نصوصه، حياة الكاتب هي ماتصهره وتصنع في داخله أكثر من حياة غيرها.
الكاتب هو الذي يشعل حربًا في نصوصه ويعقد صلحًا في نهايتها ومابينهما يعيش وحيدًا في ثورة أفكاره وكوارثها.
الكاتب هو من تزيده همومه حكمةً تاريخية وجغرافية وروحية ومعنوية. الكاتب هو من يستأثر لأتفه شعور، ويتوتر بسببه ويبعث فيه غضبًا وحزنًا ويجعل منه مادة فنية.