ما هو العصف الذهنى
يُمكن تعريف العصف الذهني بأنه عملية استحداث كمية ضخمة من الأفكار التي يتم إنتاجها من خلال عملية منظمة ذات قواعد واضحة، ويرتبط إيجاد هذه الأفكار وتدوينها بجعل العقل مُنفتحاً دون أي قيود تَحدّ من إطلاق العنان لقدرته على التفكير.
فالعصف الذهني هو طريقة يُمكن اتباعها لاستنباط الأفكار أو حتى ترتيبها وذلك عند شعور الإنسان بعدم قدرته على إيجاد أفكار جديدة خلاقة أو عند افتقاره للإلهام الذي يجعله يستطيع الخروج بمثل تلك الأفكار.
ولا يُعتبر العصف الذهني طريقة لإيجاد أفكار جديدة فقط، بل هو إحدى الطرق غير التقليدية التي يستطيع الإنسان من خلالها إيجاد نقاط مُتخصصة تُشير إلى الموضوع العام الذي يُفكر به.
فيُمكن اتباع هذا الأسلوب العلمي عند احتواء عقل الإنسان على العديد من الأفكار التي يرغب بتضييق نطاقها وتخصيصها أكثر فأكثر، أو حتى إعادة ترتيبها لتظهر بشكل مُفيد، أو حتى إيجاد العلاقة المُشتركة فيما بين هذه الأفكار بشكل يسمح للشخص البدء بالتخطيط السليم للمهمة التي يُفكر بها.
وترجع بدايات ظهور العصف الذهني إلى أعقاب الحرب العالمية الأولى، فبعد انتهاء الحرب وفي مدينة نيويورك تم إنشاء ما يُعرف بشركة BBDO التي تُشير لمؤسسيها الأربعة وهم: (باتن، بارتون، دورستين، أوزبورن)، وهي شركة خاصة بالإعلانات.
بدأت الشركة بالعمل والازدهار إلى العام 1939م ثم بدأت أرباحها بالانخفاض التدريجي مما أدى إلى انسحاب أحد مؤسسيها الأربعة وهو روي دورستين الذي أنشأ شركته الإعلانية الخاصة، وفي هذه المرحلة الحرجة من حياة الشركة ظهر أليكس أوزبورن أحد مؤسسيها الأوائل الذي عُرف بطموحه البالغ وشغفه بالتفكير الإبداعي.
حيث طوّر طريقة تعتمد على مصطلح التفكير لتشجيع موظفيه على تقديم أفكار إبداعية للمساهمة في تقدّم الشركة ورفع شأنها، وفي العام 1942م ألّف أوزبورن كتاب “How to Think Up” الذي كان بمثابة المدخل والمقدمة لما يُعرف بالعصف الذهني الذي طرحه أوزبورن في وقت لاحق.
ونتيجة لجهوده في خلق الأفكار الإبداعية لدى موظفيه استطاعت شركته أن تصبح في العام 1951م ثاني أكبر شركة إعلانات في الولايات المُتحدة الامريكية، حيث حققت أرباحاً قُدرت بمئة مليون دولار، وفي العام 1953م قدّم أوزبورن كتاباً بعنوان الخيال التطبيقى الذي قدّم فيه عمليات العصف الذهني مع إعطاء شركته كمثال على فعالية هذه العمليات وفوائدها.
تجدر الإشارة إلى أن أوزبورن ارتأى بأن مجموعات العصف الذهني يجب أن تضم من خمسة إلى إثنا عشر شخصاً، وتشمل أعضاءً من ذوي الخبرات المتفاوتة، ولكن هذا الأمر لم يُظهر فعاليته في جلسات العصف الذهني التي عقدها في شركته، كما أشار أوزبورن إلى أن أعضاء المجموعة يجب أن يكونوا على دراية ومعرفة كافية بالمشكلة التي يُراد حلها أثناء هذه الجلسات، بالإضافة إلى ضرورة تدريبهم على قواعد وتقنيات جلسات العصف الذهني قبل البدء بها.
كما أشار إلى ضرورة وجود أحد الأشخاص الذي توكل إليه مهمة إدارة الجلسة، ونتيجةً للجلسات التي تمّ عقدها في الشركة والتي وصل عددها إلى 401 جلسة، تم التوصل خلالها إلى ما يُقارب 34000 فكرة جديدة، وانتقاء 2000 فكرة صُنفت بأنها ذات جودة عالية ويُمكن استثمارها.
وقد كانت هذه الجلسات تُعقد في أجواء خاصة كان الهدف منها تعزيز الإبداع.
انتشر استخدام العصف الذهني في العديد من الشركات الأمريكية بعد النجاح الذي حققته شركة BBDO، وفي عام 1958م أجرى دونالد تايلور في جامعة ييل دراسة تُقارن بين فعالية العصف الذهني الجماعي مقارنة باستخدام العصف الذهني لكل شخص على حدة، ليظهر ما يُعرف بالعصف الذهني الفردي.
ولكن هذه الدراسة كانت تحتوي على العديد من العيوب التي ظهرت نتيجة عدم التقيُد بطريقة أوزبورن في العصف الذهني الجماعي، مثل قلة أعداد الأشخاص الموجودين ضمن المجموعات التي قامت عليها تلك الدراسة، وعدم امتلاك هؤلاء الأشخاص لخبرة مهنية في المشاكل التي تم طرحها، وعقب ذلك ظهرت العديد من الدراسات التي تُقارن بين كل من فعالية جلسات العصف الذهني الجماعي والفردي، بناءً على دراسة جامعة ييل السابقة، مما أدى إلى استنباط أن العصف الذهني الفردي ذو فعالية أكبر من الجماعي، كما ظهرت آراء جديدة تتطرق إلى تغيير قاعدة التركيز على الكم التي وضعها أوزبورن، فاتجهت إلى التحول إلى التركيز على إنتاج أفكار ذات جودة بغض النظر عن كمّها.
وأدت هذه الآراء إلى ظهور مدرسة فكرية ترى بأن العصف الذهني الفردي أفضل من الجماعي، مما أدى إلى وجود تعريف مُختلف لكل من العصف الذهني الجماعي والعصف الذهني الفردي.
ونتيجةً لتلك الآراء والمدارس الفكرية الجديدة بدأت شعبية العصف الذهني الجماعي في الأوساط الأكاديمية بالتراجع، لكن الدراسات بقيت مُستمرة، وقد ظهرت بعض التقاربات في كلا مذهبَي أوزبورن وييل، حيث أوصى أوزبورن باستخدام العصف الذهني الفردي قبل وبعد جلسات العصف الذهني الجماعي، ويظهر ذلك جلياً من خلال قيام كل فرد في المجموعة بمحاولة فهم المُشكلة والتفكير بها قبل بدء عملية العصف الذهني، ومن خلال دور الشخص المسئول في الشركة بتنقيح الأفكار وانتقاء الصالح منها بعد انتهاء عملية العصف الذهني.
وفي عام 1998م عمِل سكوت إسكسن مؤسّس مجموعة حل المشكلات الإبداعية الموجودة في نيويورك على مراجعة أبرز خمسين دراسة تم إنشاؤها خلال الفترة المُمتدة بين الأعوام 1958م إلى 1988م والخاصة بعمليات العصف الذهني، حيث أظهرت أنّ الباحثين الذين أعدّوا تلك الدراسات لم يلتزموا بما أورده أوزبورن من قواعد لعمليات العصف الذهني، مما أدى إلى إعادة النظر من قِبل العديد من الباحثين في طريقة العصف الذهني التي قدّمها أوزبورن.
وفي وقتنا الحالي أصبحت تقنيات العصف الذهني تحظى باهتمام كبير من الشركات والمؤسسات التي تسعى إلى تقديم كل ما هو مُبتكر.
القواعد الأساسية للعصف الذهني ::
كان تطوير أليكس أوزبورن لمفهوم العصف الذهني مرتكزاً على تأثّره بنظريات التفكير الإبداعي التي تعود لجراهام والاس، حيث وضع أوزبورن قواعد أساسية لعمليات العصف الذهني، وهذه القواعد هي الآتي:
التركيز على الكم: فهذه القاعدة تركّز على الهدف النهائي المرجو الوصول إليه خلال عمليات العصف الذهني، وتعتمد على الوصول إلى أكبر كمية من الأفكار التي يتم طرحها أثناء العصف الذهني بغض النظر عن جودة وفعالية تلك الأفكار.
حجب النقد:
وتُعنى هذه القاعدة بعدم توجيه النقد لأي فكرة يتم طرحها خلال عملية العصف الذهني، وتأجيل الحكم على هذه الأفكار لحين الانتهاء من العملية.
تقبّل الأفكار الجديدة:
حيث يشجع على طرح جميع الأفكار حتى لو كانت غير اعتيادية وغير مألوفة.
تطوير الأفكار ودمجها:
حيث يتم دمج الأفكار الناتجة من عملية العصف الذهني وتطويرها وتحسينها.
أنواع العصف الذهني :
يوجد نوعان من العصف الذهني؛ وهما العصف الذهنى الفردى والعصف الذهني الجماعي، ولكل من هذين النوعين خصائصه المُميزة وسلبياته، إذ يُعتبر العصف الذهني الفردي ذا فعالية أكبر في إنتاج أفكار أفضل وأكثر لحل المشكلات البسيطة والعادية والعامة، كما يكون الشخص الذي يقوم بعملية العصف الذهني بشكل فردي قادراً على إطلاق العنان لأفكاره وإبداعه دون القلق من وجود أي أشخاص آخرين يُشاركونه أفكاراً قد تتطرق لمواضيع خاصة به.
وللحصول على أفضل النتائج في هذا النوع من العصف الذهني فإنه لا بدّ من الحصول على مكان مُريح يخلو من المُشتتات بحيث يتمكن المرء من خلاله صبَّ جُلَ تركيزه على الطرح الذي يرغب بالتفكير به، وبحيث يكون قادراً على ترتيب أفكاره وتطويرها من خلال استخدام الخرائط الذهنية.
بينما يُعتبر العصف الذهني الجماعي ذا مفعول أكبر في حل المُشكلات المُعقدة، ويُتيح للمرء الاستفادة من الخبرات والأفكار والإبداع الذي يتم طرحه من قِبل باقي أشخاص المجموعة، مما يؤدي إلى تطوير الأفكار بشكل عميق وعدم توقفها عند شخص مُعين.
فعندما تتوقف فكرة أحدهم عند حد معين فإنه يُمكن نقلها إلى مرحلة تالية من خلال شخص آخر، فتصبح المجموعة كتلة واحدة مُساهمة في حل المُشكلة، كما أنه يفيد في تذكير أعضاء المجموعة بأن لديهم أفكاراً مُبتكرة يُمكن تقديمها.
ويوصى بتقسيم الأفراد في عمليات العصف الذهني إلى مجموعات تتراوح بين خمسة إلى سبعة أشخاص للحصول على نتائح فعّالة بشكل أكبر، وعلى الرغم من أهمية العصف الذهني الجماعي إلا أن له العديد من السلبيات التي قد تجعله مقيّداً للأفكار.
فطرح فكرة غير عادية أثناء عملية العصف الذهني الجماعي قد يجعلها تتعرض للانتقاد والتقييم الخاطئ، كما أنّ هذه المجموعات عادةً ما تفتقر إلى التزامها بقواعد العصف الذهني بشكل صحيح.
وتجدر الإشارة إلى ما يُعرف بمفهوم الحجب (Blocking) الذي قد يظهر أثناء عمليات العصف الذهني الجماعي، ويتمثل هذا المفهوم باهتمام الأشخاص بأفكار البعض فقط، أو انتظار أحدهم دوره لطرح فكرته مما قد ينسيه إياها بينما ينتظر مجيء دوره في الكلام.