الروح وعلومها

عشق الروح

يحدث أن يشعر أحدنا بالانجذاب لشخص ما لمجرد رؤيته للمرة الأولى، وكأن معرفته به قديمة وبعيدة منذ زمن، وأن شعورٱ غريبٱ قد جمع بين الطرفين، لم يسبق أن حدث مسبقٱ، وقد لا تجد له تفسيرا منطقيٱ.

‏في علم النفس، يقولون إن الأرواح لها قدرة على التخاطر وإدراك خبايا الأنفس وأثرها العميق، ويرون أن تجاذب الأرواح من أسمى وأرقى العلاقات الإنسانية، لأن كل إنسان له شبيه روحي يتناسب معه.

ويقول جبران خليل جبران أيضا: “ما أجهل الناس الذين يتوهمون أن المحبة تأتي بالمعاشرة الطويلة، ‏إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي”.

وتشير بعض الآراء إلى أن التوافق بين إنسان وآخر لا يكون بسبب توافق عمري ولا جنسي ولا لوني، ولا بطول العشرة ولا بالرفقة المستمرة، إنما هي سر من أسرار التوافق الروحي.‏

فالحب ثمرة توفيق بين طرفين وليس ثمرة اجتهاد شخصي، وهو ناتج أيضا عن تآلف النفوس فيما بينها وانسجام طبائعهما بحيث يكملان بعضهما.

فكيف يقع الحب إذا؟

الحب بين أي شخصين أشبه بطاقة كامنة موجودة من قبل، ولكن تم تأجيل المشاعر إلى حين وصول اللحظة المادية التي تجمع الروحين بلقاء حاسم؛ فتتلاقى الأرواح ويتناغم الفكر ويتجانس النبض ولذة النظر، ومن هنا يمكن القول إن علاقات الحب الناجحة المستمرة سببها تآلف الأرواح.

“وقد يعيش زوجان مع بعضهما مدى الحياة، ولكن دون أن تكون أرواحهما منسجمة ولا متآلفة، إذ بدونها ستكون النتيجة مودة فقط ولا يمكن أن ينطبق عليها اسم “الحب”.

ولهذا السبب، دائما ما نجد في حياتنا أشخاصٱ يمثلون مكانة مرموقة لا يمكن التخلي عنها، رغم عدم مخالطتهم إلا فترة وجيزة، وعليه لا يكون هذا التعلق ذنبٱ؛ لأن تجاذب الأرواح كان لا إراديٱ.

وما يعتقده بعض الباحثون أن عشق الروح يبقى أرقى وأنقى أنواع الحب، وقد لا يعترف بذلك عشاق الجسد وأصحاب المتعة العابرة من خلال العلاقات التي يدعونها حبا، إذ سرعان ما ينطفئ الحب فيها ويسودها العتمة.

إن الروح عندما تعشق شخصٱ غائبٱ أو حاضرٱ؛ فإنها لا تعاتبه على الهجر ولا تفرض عليه أمرٱ ولا تقيده بقيود الحب المألوفة التي يعاني العاشقون منها في قصص الحب المألوفة.

ويكتفي عاشق الروح، بأن يكون عاشقا فقط دون مطالب أو شهوات أو رغبات، لأن حبه حب نقي خالص من كل الشوائب.

تقول د. سناء جعفر من العراق:
منذ القدم والإنسان يتساءل ويستفسر ويبحث عن ماهية الروح التي بين جنبيه، لا يدري كنهها ولا سرها، وقد  تداول الفلاسفة قديمًا وحديثًا وانضم إليهم المفكرون وعلماء النفس والأديان وغيرهم كثيرٱ موضوع عالم الارواح  والتجاذب الروحي وتوصلوا الى ان:
 الأرواح خلق مجهول التفسير، محسوس الأثر، فالحي فيه روح، والميت لا روح فيه، فالروح ترتبط بالحياة، أو هي الحياة نفسها، أو سر الوجود، وهذه الأرواح اجتماعية تبحث عن قرينها المناسب لها، تتجمّع في معسكرات تعارفٍ “(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”) الحجرات13.

تتجنّد فيها وتحتشد وتبحث عن أليفها؛ لتشكّل معه صنفاً وجنساً متقارباً مؤتلفاً مشترك الصفات والخصائص.

و ‏الأرواح لها القدرة على التخاطر وإدراك خبايا الأنفس، وأثرها عميق بعمق تجاذب تلك الأرواح…!!

وفي حياتنا مواقف غريبة لا يمكن أن نفسرها.. وكثيرا ما نتساءل بيننا وبين أنفسنا عنها .. ألم يحدث أحيانا أن شاهدت وجها فألفته ?! وسمعت صوتا فانجذبت نحوه دون أن تراه؟! ألم تجلس مع شخص لدقائق معدودة ثم تخرج من لقائك به وكأنك تعرفه من سنين؟

ألم تتحدث مع إنسان لا يمت إليك بصلة وتبعد بينك وبينه المسافات أو تفصلك عنه سنوات وسنوات فترتاح إليه وتشعر معه بأنه يقرأ أفكارك ويجيب عن تساؤلاتك قبل أن تسألها !! ولربما أفشيت إليه بكل مكنون قلبك عن طيب  خاطر من أول لقاء به ولم تفكر لحظه أن ظنك فيه سيخيب..!

كل هذه المواقف ليس لها إلا تفسير واحد وهو تلاقي الأرواح وتآلفها مهما اختلفت الظروف ومهما باعدت بينها المسافات.. وذلك مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم :
{الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف}.

إذن هي لغة القلوب حين تتلاقى وتلاقي الأرواح ليست مسألة علاقة عاطفية أو حب بين اثنين إنها أكبر من ذلك  بكثير فهي قد تبدأ بمسألة إعجاب لكنها تتطور لتصبح علاقه سامية  بعيدة عن الأغراض الدنيوية الزائلة.

وكل إنسان له شبيه روحي يتناسب معه، فكما أن هناك من يحبك بلا سبب، هناك أيضاً من يكرهك بلا سبب تُعجب روحك بروح إنسان آخر تحس بمشاعر لا تعرف لها تفسيراً ولا تجد لها أثراً، فقط سوف ترتسم على وجهك  ابتسامة تعجُبّ وتحس بشعور يمازج قلبك وفرح يداعب وجدانك أن جمع الله بينكما بموقف عجيب غريب.

تجاذب الأرواح من أسمى وأرقى العلاقات الإنسانيه.. لأن الوجوه والأشكال تتكرر أما الأرواح فلا تتكرر فعالم الأرواح يتعدى الشكليات والماديات حيث التجانس في الطباع الباطنة والأخلاق الخفية يورث تجاذب الأرواح وهذا ما يسمى بالتخاطر العاطفي او الالتقاء الروحي، أرواح التقت واتفقت واشتاقت، يجمعها تجانس عجيب تساق لبعضها البعض كما تساق إلينا الأرزاق !!!

ومما لا يدركه الكثيرون أنه قد يحدث تلاقي غير عادي بين الأرواح البشرية‏,‏ وذلك التلاقي عادةما يكون مرتبطا بحالة الانسجام الفكري‏ والارتباط الإنساني بين شخصين‏,‏ لدرجة أنهما يستشعران وكأنه يوجد بين روحيهما همزة وصل‏,‏ فهنا تحدث الكثير من المصادفات الحياتية بينهما‏.

والغريب أن الغالبية العظمي من الأشخاص المحيطين بهما, يعللون هذه الأحداث بأنها من قبيل الصدفة أو الاتفاق المسبق, ولا يدركون أنه عندما يحدث تجاذب بين الأرواح, تصبح مهيأة تماما لأن تتطابق في أحاسيسها ومواقفها, وردود أفعالها دون سابق إنذار.

وهذه الحالات وإن كانت نادرة الحدوث, إلا أننا لا يمكننا إنكار وجودها تماما, فهي مرتبطة باللاشعور لدي الإنسان, وهذا  التوافق بين إنسان وآخر لا يكون بسبب توافق عمري ولاجنسي ولا لوني أوبطول العشرة، ولا بالرفقة المستمرة، ولكنها سر من أسرار التوافق الروحي ونعمة قدرية تصيب بعض من الأشخاص ولا يدركون لها تفسيرا منطقيا أو عقلانيا واضحا.

يقول مصطفى محمود رحمه الله :
(الحب ثمرة توفيق إلهي وليس ثمرة اجتهاد شخصي، هو نتيجة انسجام طبائع يكمل بعضها البعض الآخر ونفوس متآلفة متراحمة بالفطرة ..) ”

وفي علم النفس :

‏( سبب عدم قدرتك على إخراج شخص ‏من تفكيرك هو أن الشخص ذاته يفكر بك أنه ‏تجانس الأرواح)، ‏فالتشابه الأخلاقي يولد تجاذب روحي ‏وقد ‏نذهل أحيانا عندما نجد انسان يشبهنا ليس بالمظهر ولكن في الروح !!


أما علم المنطق والعقل فيسمي هذه الظاهرة (تآلف الأرواح)، أو أن الذي حدث قد يكون حدث من زمن بعيد واستقر بالعقل الباطن حتى جاء الوقت المناسب وصار التلاقي دون ترتيب مسبق، أو سابق معرفة.

ويقول مصطفى العقاد : (نحن لا نحب حين نختار، ولا نختار حين نحب، إننا مع القضاء والقدر حين نولد، وحين نحب وحين نموت) .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع